الحسن بن عمارة إن الأعمش يقع فيه ويقول ظالم ولي المظالم فأهدى إليه هدية فمدحه الأعمش بعد ذلك وقال الحمد لله الذي ولي علينا من يعرف حقوقنا فقيل له كنت تذمـه ثم الآن تمدحه فقال حدثني خيثمـه عن عبد الله أن رسول الله قال " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ) وقال عبد الملك ابن مروان ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الكتاب يدل على عقل كاتبه والرسول يدل على عقل مرسله والهدية تدل على عقل مـهديها
والله سبحانـه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب الخامس والخمسون في العمل والكسب والصناعات والحرف وما أشبه ذلك
أما العمل فقد روي عن النبي أنـه قال " أفضل العمل أدومـه وإن فل " وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه قليل مدام عليه خير من كثير مملول وفي التوراة حرك يدك افتح لك باب الرزق
وكان إبراهيم بن أدهم يسقي ويرعى ويعمل بالكراء وبحفظ البساتين والمزارع ويحصد بالنـهار ويصلي بالليل وعن علي رضي الله تعالى عنـه قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله ما ينفي عني حجة العلم ؟ قال العمل
وعنـه أنـه قال " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " وقال الأوزاعي إذا أراد الله بقوم سوء أعطاهم الجدل ومنعهم العمل وأنشد يقول
( وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... اعلم ساوه ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل )
وقال بعض الحكماء لا شيء أحسن من عقل زانـه حلم ومن عمل زانـه علم ومن حلم زانـه صدق ودخل بعض الخواص على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين فقال له عظني فقال له الولي بلغني رحمك الله أن الأعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك
فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه وقيل من جد وجد وأنشدوا في المعنى
( إني رأيت وفي الأيام تجربة ... اعلم ساوه للصبر عاقبة محمودة الأثر )
( وقل من جد في أمر يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ) وتقول العرب فلان وثاب على الفرص وقال بعضهم
( وإني إذا باشرت أمرا أريده ... تدانت أقاصيه وهان أشده ) وعن أنس رضي الله تعالى عنـه يتبع الميت ثلاث يرجع إثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ولا يرجع عمله
وقال بعضهم العمل سعي الأركان إلى الله والنية سعي القلوب إلى الله والقلب ملك والأركان جنود ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك وقيل الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم والعلم كله هباء إلا موضع العمل والعمل كله هباء إلا موضع الاخلاص هذا هو العمل
وأما الكسب فقد جاء في تفسير قوله تعالى ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) أي دروع من الحديد وذلك أن داود عليه الصلاة و السلام كان يدور في الصحاري فإذا رأى من لا يعرفه تحدث معه في أمر داود فإذا سمعه عابه بشيء يصلحه من نفسه فسمع يوما من يقول إني لا أجد في داود عيبا إلا أنـه يأكل من غير كسبه فعند ذلك صلى داود عليه الصلاة
في محرابه وتضرع بين يدي الله تعالى وسأله أن يعلمـه ما يستعين بـه على قوته فعلمـه الله تعالى صنعة الحديد وجعله في يده كالشمع فاحترفها واستعان بها على أمره وسار يحكم منـها الدروع
وقال رسول الله ( جعل رزقي تحت ظل رمحي فكانت حرفته الجهاد ) وقال رسول الله " إن الله يحب العبد المحترف " وقال " إن الله تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ "
وقال عليه الصلاة والسالم " من اكتسب قوته ولم يسأل الناس لم يعذبه الله تعالى يوم القيامة " ولو تعلمون ما أعلم من المسألة لما سأل رجل رجلا شيئا وهو يجد قوت يومـه وليس عند الله أحب من عبد يأكل من كسب يده إن اله تعالى يبغض كل فارغ من أعمال الدنيا والأخرة وعن أنس رضي الله تعالى عنـه عن النبي " من بات كالا في طلب الحلال أصبح مغفورا له " وعن الحسن رحمـه الله كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف وقيل لمحمد بن مـهران إن ههنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا فقال هؤلاء قوم حمقى إن كان لهم مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن فليفعلوا وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنـه لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وقال أيضا إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فان قالوا لا سقط من عيني واشترى سليمان وسقا من طعام وهو ستون صاعا فقيل له في ذلك فقال إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت قال بعضهم في السعي
( خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح ) وقيل إن أول من صنع لسان الميزان عبد الله بن عامر وكان الناس إنما يزنون بالشاهيني وعن أنس رضي الله عنـه قال غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله الخالق القابض المسعر الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمته بها في أهل ولا مال
وأما ما جاء في العجز والتواني فقد روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنـه قال من أطاع التواني ضيع الحقوق ومن العجز طلب ما فات مما لا يمكن استدراكه وترك ما أمكن مما تحمد عواقبه
قال الشاعر
( على المرء أن يسعى ويبذل جهده ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا ) ومثله قوله
( على المرء أن يسعى ويبذل نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر ) وقيل احذر مجالسة العاجز فانـه من سكن إلى عاجز أعداه من عجزه وأمده من جزعه وعوده قلة الصبر ونساه ما في العواقب وليس للعجز ضد إلا الحزم
وقال بعض العلماء من الخذلان مسامرة الأماني ومن التوفيق بغض التواني وروي عن رسول الله أنـه قال " باكروا في طلب الرزق والحوائج فان الغدو بركة ونجاح " وقال الامام الشافعي رضي الله تعالى عنـه احرص على ما ينفعك ودع كلام الناس فانـه لا سبيل إلى السلامة من ألسنة الناس وقال علي رضي الله تعالى عنـه التواني مفتاح البؤس وبالعجز والكسل تولدت الفاقة ونتجت الهلكة ومن لم يطلب لم يجد وأفضى إلى الفساد وقال حكيم من دلائل العجز كثرة الاحالة على المقادير وقال بعض الحكماء الحركة بركة والتواني هلكة والكسل شؤم وكلب طائف خير من أسد رابض ومن لم يحترف لم يعتلف
وقيل من العجز والتواني تنتج الفاقة قال هلال بن العلاء الرفاء هذين البيتين من جملة أبيات
( كأن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مـهرا )
( فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... فإنكما لا بد أن تلدا الفقرا ) وقال آخر
( توكل على الرحمن في الأمر كله ... ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب )
( ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب )
( ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب ) وسأل معاوية رضي الله عنـه سعيد بن العاص عن المروءة فقال العفة والحرفة
وكان أيوب السختياني يقول يا فتيان احترفوا فإني لا آمن عليكم أن تحتاجوا إلى القوم يعني الأمراء وقال رجل للحسن إني أنشر مصحفي فاقرؤه بالنـهار كله فقال اقرأه بالغداة والعشي ويكون يومك في صنعتك وما لا بد منـه ومر رحمـه الله تعالى باسكاف فقال يا هذا اعمل وكل فان الله يحب من يعمل ويأكل ولا يحب من يأكل ولا يعمل وقال أبو تمام
( أعاذلتي ما أحسن الليل مركبا ... وأحسن منـه في الملمات راكبه )
( ذريني وأهوال الزمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه )
( أرى عاجزا يدعى جليدا لقسمـه ... ولو كلف المقوى لكلت مضاربه )
( وعفا يسمى عاجزا بعفافه ... ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه )
( وليس بعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه ) وقال آخر
( فلا تركن إلى كسل وعجز ... يحيل على المقادر والقضاء ) وقال اعرابي العاجز هو الشاب القليل الحيلة الملازم للأماني المستحيلة ويقال فلان يخدعه الشيطان عن الحزم فيمثل له التواني في صورة التوكل ويريه الهوينا باحالته على القدر وقال لقمان لابنـه يا بني إياك والكسل والضجر فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق وقال أبو العتاهية
( إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزى بأن تتبددا ) فالتواني هو الكسل وتضييع الحزم وعدم القيام على مصالح النفس
وترك التسبب والاحتراف والاحالة على المقادير وهذا من أقبح الأفعال
وأما التأني فانـه خلاف التواني وهو الرفق ورفض العجلة والنظر في العواقب وقد قيل من نظر في عواقب الأمور سلم من آفات الدهور
ومما جاء في ذلك قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) وقال رسول الله " من أعطى حظه من الرفق أعطى حظه من الدنيا والآخرة " وقال عليه الصلاة و السلام لعائشة " عليك بالرفق فان الرفق لا يخالط شيئا إلا زانـه ولا يفارق شيئا إلا شانـه " وفي التوراة الرفق رأس الحكمة وقالوا العقل أصله التثبت وثمرته السلامة
ووجد على سيف مكتوبا التأني فيما لا يخاف الفوت أفضل من العجلة في إدراك الأمل وقال بعض الحكماء إذا شككت فاجزم وإذا استوضحت فاعزم وقالوا يد الرفق تجني ثمرة السلامة ويد العجلة تغرس شجرة الندامة وأنشدوا في ذلك
( قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل ) وقالوا التأني حصن السلامة والعجلة مفتاح الندامة وقالوا إذا لم يدرك الظفر بالرفق والتأني فبماذا يدرك ؟ وقال المـهلب أتاة في عواقبها درك خير من عجلة في عواقبها فوت وقالوا من تأنى نال ما تمنى والرفق مفتاح النجاح وقال بعض الحكماء إياك والعجلة فانـها تكنى أم الندامة لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويعزم قبل أن يفكر ويحمد قبل أن يجرب وإن تصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة وجانب السلامة
وأما الصناعات والحرف وما يتعلق بها فقد روي عن سهل بن سعد رضي الله عنـه قال قال رسول الله " عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل "
وكان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويعلف ناضحه وقال سعيد بن المسيب كان لقمان الحكيم خياطا وقيل كان إدريس عليه السلام خياطا ووقف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على خياط فقال له يا خياط ثكلتك الثواكل صلب الخيط ودقق الدروز وقارب الغروز فإني سمعت رسول الله يقول " يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه واحذر السقاطات فان صاحب الثوب أحق بها ولا تتخذ بها الأيادي وتطلب المكافأة " وقال فيلسوف إن من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع وفي الحديث " أكذب أمتي الصواغون الصباغون وكذب الدلال مثل " وقالوا لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب وقال عبد الرحمن ابن شبل سمعت رسول الله يقول " التجار هم الفجار فقيل أليس الله تعالى قد أحل البيع ؟ قال نعم ولكن يحدثون فيكذبون ويحلفون فيحنثون " وقال الفضيل بخس الموازين سواد في الوجه يوم القيامة وإنما أهلكت القرون الأولى لأنـهم أكلوا الربا وعطلوا الحدودونقصوا الكيل والميزان
وقال مجاهد في قوله تعالى ( واتبعك الأرذلون ) قيل هم الحاكة الاساكفة وقيل إن حائكا سأل إبراهيم الحربي ما تقول فيمن صلى العيد ولم يشتر ناطفا ما الذي يجب عليه " فتبسم إبراهيم ثم قال يتصدق بدرهمين فلما مضى قال ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق وقيل لرجل هل فيكم حائك ؟ قال لا قيل فمن ينسج لكم ثيابكم ؟ قال كل منا ينسج لنفسه في بيته وكان أردشير ابن بابك لا يرتضي لمنادمته ذا صناعة ردئية كحائك وحجام ولو كان يعلم الغيب مثلا وقال كعب لا تستشيروا الحاكة فإن الله تعالى سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم لأن مريم عليها السلام مرت بجماعة
من الحياكين فسألتهم عن الطريق فدلوها على غير الطريق فقالت نزع الله البركة من كسبكم وقال أبو العتاهية
( ألا أنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم )
( وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك او حجم ) وهذا ما أردناه سياقة في هذا الباب والله الموفق للصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب السادس والخمسون في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في شكوى الزمان وانقلابه بأهله
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنـه أنـه قال ما من يوم ولا ليلة ولا شـهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منـه سمعت ذلك من نبيكم وكان معاوية رضي الله تعالى عنـه يقول معروف زماننا منكر زمان قد مضى ومنكره معروف زمان لم يأت وكانت ناقة رسول الله العضباء لا تسبق فجاء اعرابي فسبقها فشق ذلك على الصحابة رضي الله عنـهم فقال " إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه " وحكي عن شيخ من همدان قال بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع الحميري بهدايا فمكثت شـهرا لا أصل إليه ثم بعد ذلك أشرف أشرافه من كوة فخر له من حول القصر سجدا ثم رأيته من بعد ذلك وقد هاجر إلى حمص واشترى بدرهم لحما وسمطه خلف دابته وهو القائل هذه الأبيات
( أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منـها في بلاء وأذى )
( إن صفا عيش امرئ في صحبها ... جرعته ممسيا كأس الردى )
( ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم العالم عيشا قيل ذا ) وقال يونس بن ميسرة لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منـه ولا يتولى عنا زمان إلا بكينا عليه ومن قول ذلك
( رب يوم بكيت منـه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه ومثله
( وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمسي ) ومن كلام ابن الأعرابي
( عن الأيام عد فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي ) وقال رضي الله عنـه ما قال الناس لشيء طوبى إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء قال الشاعر
( فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعهد ) ودخل داود عليه الصلاة و السلام غارا فوجد فيه رجلا ميتا وعند رأسه لوح مكتوب فيه أنا فلان ابن فلان الملك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش ثم صار أمري إلى أن بعثت زنبيلا من الدراهم لي في رغيف فلم يوجد ثم بعثت زنبيلا من الجواهر فلم يوجد فدققت الجواهر واستفيتها فمت مكاني فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن على وجه الأرض أغنى منـه أماته الله كاماتني وذكر أن عبد الرحمن بن زياد لما ولي خراسان حاز من الأموال ما قدر لنفسه أنـه إن عاش مائة سنة ينفق في كل يوم ألف درهم على نفسه أنـه يكفيه فرؤي بعد مدة وقد احتاج إلى أن باع حلية مصحفه وأنفقها وقال هيثم بن خالد الطويل دخلت على صالح مولى منارة في يوم شات وهو جالس في قبة مغشاة بالسمور وجميع فروشـها سمور وبين يديه كانون فضة يبخر فيه بالعود ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسأل الناس
ولما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد ونزل في داره وقعد على فرشـه دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشـه وأقعدك عليه لقد أبلغ في عظتك وقال مالك بن دينار مررت بقصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن
( إلا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يغدر بصاحبك الزمان )
( فنعم الدار تأوي كل ضيف ... إذا ما ضاق بالضيف المكان ) ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب وبه عجوزا فسألتها عما كنت رأيت وسمعت فقالت يا عبد الله إن الله يغير ولا يتغير والموت غالب كل مخلوق قد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان وقال أبو العتاهية
( لئن كنت في الدنيا بصيرا فإنما ... بلاغك منـها مثل زاد المسافر )
( إذا أبقت الدنيا على المرء دينـه ... فما فاته منـها فليس بضائر ) وقال عبد الملك بن عمير رأيت رأس الحسين رضي الله عنـه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة ثم رأيت رأس زياد بين يدي المختار ثم رأيت رأس اار بين يدي مصعب ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك قال سفيان فقلت له كم كان بين أول الرؤوس وآخرها ؟ قال اثنتا عشرة سنة
( إن للدهر صرعة فاحذرنـها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا )
( قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمنا مسرورا ) وكان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره على الدجلة ينظر فاذا هو بحشيش في وسط الماء وفي وسطه قصبة على رأسها رقعة فدعا بها فإذا فيها مكتوب شعرا وهو للشافعي رضي الله تعالى عنـه
( تاه الأعيرج واستعلى بـه البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر )
( أحسنن ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي بـه القدر )
( وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر ) قال فما انتفع بنفسه وأعجب ما وجد في السير خبر القاهر أحد الخلفاء وقلعه من الملك وخروجه إلى الجامع في بطانة جبة بغير ظهارة ومد يده يسأل الناس بعد أن كان ملكه لأقطار الأرض فتبارك الله يعز من يشاء ويذل من يشاء وقيل كان لمحمد المـهلبي قبل اتصاله بالسلطان حال ضعيف فبينما هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث إلا أنـه من أهل الأدب إذ أنشده يقول
( ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه )
( ألا رحم المـهيمن نفس حر ... تصدق بالوفاة على أخيه ) قال فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سد بـه رمقه وحفظ الأبيات وتفرقا ثم ترقى المـهلبي إلى الوزارة وأخنى الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه فتوصل إلى إيصال رقعة إليه مكتوب فيها
( إلا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكر ما قد نسيه )
( أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه ) فلما قرأها نذكر فأمر له بسبعمائة درهم ووقع تحت رقعته ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ثم قلده عملا يرتزق منـه
ودخل مسلمة بن زيد بن وهب على عبد الملك بن مروان فقال له أي الزمان أدركته أفضل وأي الملوك أكمل ؟ فقال أما الملوك فلم أر إلا حامدا وذاما وما الزمان فيرفع أقواما ويضع آخرين وكلهم يذكر أنـه يبلى جديدهم ويفرق عديدهم ويهرم صغيرهم ويهلك كبيرهم وقال حبيب بن أوس
( لم أبك من زمن لم أرض خلته ... إلا بكيت عليه حين ينصرم )
وقال آخر
( يا معرضا عني بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبلة )
( هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلا انحطاط المنزلة ) وقال عبد الله بن عروة بن الزبير
( ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... بشوا إلي ورحبوا بالمقبل )
( وبقيث في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في المنزل ) وقال آخر في معناه
( يا منزلا عبث الزمان بأهله ... فأبادهم بتفرق لا يجمع )
( أين الذين عهدتهم بك مرة ... كان الزمان بهم يضر وينفع )
( أيام لا يغشى لذكرك مربع ... إلا وفيه للمكارم مرتع )
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع ) وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي
( وإني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنـه مقرونة ومعايبه )
( إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من أن تذم عواقبه ) وقال بعضهم
( ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر )
( وبقيت في خلف يزين بعضه ... بعضا ليدفع معور عن معور )
( حلف الزمان ليأتين بمثلهم ... حنثت يمينك يا زمان فكفر )
يقال إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير وكان يقال بتقلب الدهر تعرف جواهر الرجال ويقال زمام العافية بيد البلاء ورأس السلامة تحت جناح العطب وقال بعضهم نحن في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا والشر إلا إقبالا والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا اضرب بطرفك حيث شئت هل تنظر إلا فقيرا يكابد فقرا أو غنيا بدل نعمة الله كفرا أو بخيلا اتخذ بحق الله وفرا أو متمردا كان بسمعه عن سماع المواعظ وقرا وقال آخر نحن فلي زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب وإذا ذكرنا الأحياء ماتت القلوب ويؤيد ذلك قوله " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانـه " ويقال لا يقاوم عز الولاية بذل العزل بيت
( ما من مسيئ وإن طالت إساءته ... إلا ويكفيك يوم من مساويه ) وقال الأمين
( يا نفس قد حق الحذر ... أين المفر من القدر )
( كل امرئ مما يخاف ... ويرتجيه على خطر )
( من يرتشف صفو الزمان ... يغص يوما بالكدر ) وقال بعضهم
( وقائلة ما بال وجهك قد نضت ... محاسنـه والجسم بان شحوبه )
( فقلت لها هاتي من الناس واحدا ... صفا وقته والنائبات تنوبه ) وللأمير أبي علي بن منقذ
( أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم )
( لئن كان كتمان المصائب مؤلما ... لإعلانـها عندي أشد وأعظم )
( وبي كل ما يبكي العيون أقله ... وإن كنت منـه دائما أبتسم )
وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأيم الله ما كان قوم قط في خفض عيش فزال عنـهم إلا بذنوب اقترفوها لأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد ولو أن الناس حين ينزل بهم الفقر ويزول عنـهم الغنى فزعوا إل ربهم بصدق نياتهم لرد عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد قال الشاعر
( يقولون الزمان بـه فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان ) وكفى بالقرآن واعظا قال الله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) والله سبحانـه وتعالى أعلم
الفصل الثاني في الصبر على المكاره ومدح التثبت وذم الجزع
قد مدح الله تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة وأمر بـه وجعل أكثر الخيرات مضافا إلى الصبر وأثنى على فاعله وأخبر أنـه سبحانـه وتعالى معه وحث على التثبت في الأشياء ومجانبة الاستعجال فيها فمن ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة وإن الله مع الصابرين فبدأ بالصبر قبل الصلاة ثم جعل نفسه مع الصابرين دون المصلين قوله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) وقوله تعالى ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) وبالجملة فقد ذكر الله سبحانـه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيف وسبعين موضعا وأمر نبيه بـه فقال تعالى ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) وقد روي عن النبي في ذلك أخبار كثيرة فمن ذلك قوله
في الصبر " وقوله عليه الصلاة و السلام " بالصبر يتوقع الفرج " وقوله " الأناة من الله تعالى والعجلة من الشيطان فمن هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمـه الصبر في مواطن طلباته والتثبت في حركاته وسكناته وكثيرا ما أدرك الصابر مرامـه أو كاد وفات المستعجل غرضه أو كاد " وقال الأشعث بن قيس دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنـه فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونـهارا فقلت يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة ؟ فما زادني إلا أن قال
( اصبر على مضض الإدلاج في السحر ... وفي الروح إلى الطاعات في البكر )
( إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر )
( وقل من جد في أمر يؤمله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ) فحفظتها منـه وألزمت نفسي الصبر في الأمور فوجدت بركة ذلك وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنـهما عن النبي أنـه قال " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه " وعن أنس بن مالك رضي الله عنـه قال قال رسول الله " إذا أراد الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنـه بذنبه حتى يوافى بـه يوم القيامة " وقال " إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أنس بن مالك قال قال النبي " الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر والصبر عند الصدمة الأولى وعظم الأجر على قدر المصيبة ومن استرجع بعد مصيبته جدد الله له أجرها كيوم أصيب بها "
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنـه أنـه قال احفظوا عني خمسا اثنتين واثنتين وواحدة لا يخافن أحدكم إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحي أحد منكم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم وأعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور وأيما رجل حبسه السلطان ظلما فمات في حبسه مات شـهيدا فان ضربه فمات فهو شـهيد
وروي في الخبر لما نزل قوله تعالى ( من يعمل سوء يجز بـه ) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنـه يا رسول الله كيف الفرح بعد هذه الآية ؟ فقال رسول الله غفر الله لك يا أبا بكر أليس تمرض أليس يصيبك الأذى أليس تحزن قال بلى يا رسول الله قال فهذا ما تجزون بـه يعني جميع ما يصيبك من سوء يكون كفارة لك وبهذا اتضح لك أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنـه أنـه قال بينما رسول الله يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل لعنـه الله أيكم يقوم إلى سلا الجزور فيلقيه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه وأتى بـه فلما سجد وضع بين كتفيه السلا والفرث والدم فضحكوا ساعة وأنا قائم أنظر فقلت لو كان لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق انسان فأخبر فاطمة رضي الله عنـها فجاءت فطرحته عن ظهره ثم أقبلت عليهم فسبتهم فلما قضى الصلاة رفع يديه فدعا عليهم فقال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمع القوم صوته ودعاءه ذهب عنـهم الضحك وخافوا دعوته فقال اللهم عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة وربيعة
والوليد وأمية بن خلف فقال علي رضي الله عنـه والذي بعث محمدا بالحق رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر وكان الصالحون يفرحون بالشدة لأجل غفران الذنوب لأن فيها كفارة السيئات ورفع الدرجات وروي عن رسول الله أنـه قال " ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة الرضا بالقضاء والصبر على البلاء والدعاء في الرخاء
وحكي أن امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة فسرقها سارق فصبرت وردت أمرها إلى الله ولم تدع عليه فلما ذبحها السارق ونتف ريشـها نبت جميعه في وجهه فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتى حبرا من أحبار بني إسرائيل فشكا له فقال لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة فأرسل إليها من قال لها أين دجاجتك ؟ فقالت سرقت فقال لقد آذاك من سرقها قالت قد فعل ولم تدع عليه قال وقد فجعك في بيضها قالت هو كذلك فما زال بها حتى أثار الغضب منـها فدعت عليه فتساقط الريش من وجهه فقيل لذلك الحبر من أين علمت ذلك ؟ قال لأنـها لما صبرت ولم تدع عليه انتصر الله لها فلما انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش من وجهه فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدة ويحمد الله ويعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا وأن المصائب والرزايا إذا توالت أعقبها الفرج والفرح عاجلا
ومن أحسن ما قيل في ذلك من المنظوم
( وإذا مسك الزمان بضر ... عظمت دونـه الخطوب وجلت )
( وأتت بعده نوائب أخرى ... سئمت نفسك الحياة وملت )
( فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني ... فالرزايا إذا توالت تولت )
( وإذا أوهنت قواك وجلت ... كشفت عنك جملة وتخلت ) ولمحمد بن بشر الخارجي
( إن الأمور إذا اشتدت مسالكها ... فالصبر يفتح منـها كل ما ارتجا )
( لا تيأسن وإن طالت مطالبه ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا ) ولزهير بن أبي سلمى
( ثلاث يعز الصبر عند حلولها ... ويذهل عنـها عقل كل لبيب )
( خروج اضطرار من بلاد يحبها ... وفرقة أخوان وفقد حبيب ) وقال بعضهم
( عليك باظهار التجلد للعدا ... ولا تظهرن منك الذبول فتحقرا )
( أما تنظر الريحان يشمم ناضرا ... ويطرح في البيدا إذا ما تغيرا ) ولابن نباتة
( صبرا على نوب الزمان ... وإن أبي القلب الجريح )
( فلكل شيء آخر ... إما جميل أو قبيح ) وقال أبو الأسود وأجاد
( وإن امرء قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب )
( وما الدهر والأيام إلا كما ترى ... رزية مال أو فراق حبيب ) ومن كلام الحكماء ما جوهد الهوى بمثل الرأي ولا استنبط الرأي بمثل المشورة ولا حفظت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر وما استنجحت الأمور بمثل الصبر وقال نـهشل
( ويوم كأن المصطلين بحره ... وإن لم يكن نار قيام على الجمر )
( صبرنا له صبرا جميلا وإنما ... تفرج أبواب الكريهة بالصبر ) قال ابن طاهر
( حذرتني وذا الحذر ... ليس يغني من القدر )
( ليس من يكتم الهوى ... مثل من باح واشتهر )
( إنما يعرف الهوى ... من على مره صبر )
( نفس يا نفس فاصبري ... فز بالصبر من صبر ) وكان يقال من تبصر تصبر وكان يقال إن نوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر وكان يقال لا دواء لداء الدهر إلا بالصبر ولله درون القائل
( الدهر أدبني والصبر رباني ... والفوت أقنعني واليأس أغناني )
( وحنكتني من الأيام تجربة ... حتى نـهيت الذي قد كان ينـهاني ) وما أحسن ما قال محمود الوراق
( إني رأيت الصبر خير معول ... في النائبات لمن أراد معولا )
( ورأيت أسباب القناعة أكدت ... بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا )
( فاذا نبا بي منزل جاوزته ... وجعلت منـه غيره لي منزلا )
( وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا ) وقال بعضهم
( إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة ... فافرغ لها صبرا ووسع لها صدرا )
( فان تصاريف الزمان عجيبة ... فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا ) وقال بعضهم
( وما مستني عسر ففوضت أمره ... إلى الملك الجبار إلا تيسرا ) وما أحسن ما قيل
( الدهر لا يبقى على حالة ... لا بد أن يقبل أو يدبر )
( فان تلقاك بمكروهه ... فاصبر فان الدهر لا يصبر ) ونقل عن محمد بن الحسن رحمـه الله قال كنت معتقلا بالكوفة فخرجت يوما من السجن مع بعض الرجال وقد زاد همي وكادت نفسي
أن تزهق وضاقت علي الأرض بما رحبت وإذا برجل عليه آثار العبادة قد أقبل علي ورأى ما أنا فيه من الكآبة فقال ما حالك ؟ فأخبرته القصة فقال الصبر الصبر فقد روي عن النبي أنـه قال " الصبر ستر الكروب وعون على الخطوب " وروي عن ابن علي رضي الله تعالى عنـه أنـه قال الصبر مطية لا تدبر وسيف لا يكل وأنا أقول
( ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله ... عند الإله وأنجاه من الجزع )
( من شد بالصبر كفا عند مؤلمـه ... ألوت يداه بحبل غير منقطع ) فقلت بالله عليك زدني فقد وجدت بك راحة فقال ما يحضرني شيء عن النبي ولكني أقول
( أما والذي لا يعلم الغيب غيره ... ومن ليس في كل الأمور له كفو )
( لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه ... لقد يجتني من بعده الثمر الحلو ) ثم ذهب فسألت عنـه فما وجدت أحدا يعرفه ولا رآه أحد قبل ذلك في الكوفة ثم أخرجت في ذلك اليوم من السجن وقد حصل لي سرور عظيم بما سمعت منـه وانتفعت بـه ووقع في نفسي أنـه من الأبدال الصالحين قيضه الله تعالى لي يوقظني ويؤبني ويسليني وقيل إن رجلا كان يضرب بالسياط ويجلد جلدا بليغا ولم يتكلم ويصبر ولم يتأوه فوقف عليه بعض مشايخ الطريقة فقال له أما يؤلمك هذا الضرب الشديد ؟ فقال بلى قال لم لا تصيح ؟ فقال إن في هذا القوم الذين وقفوا علي صديقا لي يعتقد في الشجاعة والجلادة وهو يرقبني بعينـه فأخشى إن ضجيت يذهب ماء وجهي عنده ويسوء ظنـه بي فأنا أصبر على شدة الضرب وأحتمله لأجل ذلك قال الشاعر
( على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويحمد منـه الصبر مما يصيبه )
( فمن قل فيما يلتقيه اصطباره ... لقد قل فيما يرتجيه نصيبه ) وقال رسول الله لعائشة رضي الله تعالى عنـها يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا بالصبر ولم يكلفني إلا ما كلفوا
به فقال عز و جل ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني والله لأصبرن كما صبروا فان النبي لما صبر كما أمر أسفر وجه صبره عن ظفره ونصره وكذلك الرسل صلوات الله وسلامـه عليهم أجمعين الذين هم أولو العزم لما صبروا ظفروا وانتصروا وقد اختلف أهل العلم فيهم على أقوال كثيرة فقال مقاتل رضي الله تعالى عنـه هم نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويونس وأيوب صلوات الله عليهم وقال قتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ويقال ما الذي صبروا عليه حتى سماهم الله تعالى أولي العزم فأقول ذكر ما صبروا عليه
أما نوح عليه الصلاة و السلام
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنـهما كان نوح عليه الصلاة و السلام يضرب ثم يلف في لبد ويلقى في بيته يرون أنـه قد مات ثم يعود ويخرج إلى قومـه ويدعوهم إلى الله تعالى ولما أيس منـهم ومن إيمانـهم جاءه رجل كبير يتوكأ على عصاه ومعه ابنـه فقال لابنـه يا بني انظر إلى هذا الشيخ واعرفه ولا يغرك فقال له ابنـه يا أبت مكني من العصا فأخذها من أبيه وضرب بها نوحا عليه الصلاة و السلام شج بها رأسه وسال الدم على وجهه فقال رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم وإلا فصبرني إلى أن تحكم فأوحى الله تعالى إليه ( إنـه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا نبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك ) قال يارب وما الفلك ؟ قال بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي وأغرق أهل معصيتي قال يارب وأين الماء ؟ قال أنا على كل شيء قدير قال يارب وأني الخشب ؟ قال اغرس الخشب فغرس الساج عشرين سنة وكف عن دعائهم وكفوا عن ضربه إلا أنـهم كانوا
به فلما أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها وقال يا رب كيف اتخذ هذا البيت ؟ قال اجعله على ثلاث صور وبعث الله له جبريل فعلمـه وأوحي الله تعالى اليه أن عجل بعمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني فلما فرغت السفينة جاء أمر الله سبحانـه وتعالى بانتصار نوح ونجاته وإهلاك قومـه وعذابهم إلا من آمن معه وفار التنور وظهر الماء على وجه الأرض وقذفت السماء بأمطار كأفواه القرب حتى عطم الماء وصارت أمواجه كالجبال وعلا فوق أعلى جبل في الأرض أربعين ذراعا وانتقم الله سبحانـه وتعالى من الكافرين ونصر نبيه نوحا عليه الصلاة و السلام وفي تمام قصته وحديث السفينة كلام مبسوط لأهل التفسير ليس هذا موضع شرحه وبسطه فهذا زبدة صبر نوح عليه الصلاة و السلام وانتصاره على قومـه
وأما ابراهيم عليه الصلاة و السلام
فإنـه لما كسر أصنام قومـه التي كانوا يعبدونـها لم يروا في قتله ونصرة آلهتهم أبلغ من إحراقه فأخذوه وحبسوه ببيت ثم بنوا حائزا كالحوش طول جداره ستون ذراعا في سفح جبل عال ونادى مناد ملكهم أن احتطبوا لإحراق إبراهيم زمن تخلف عن الاحتطاب أحرقه فلم يتخلف منـهم أحد وفعلوا ذلك أربعين يوما ليلا ونـهارا حتى كاد الحطب يساوي رؤوس الجبال وسدوا أبواب ذلك الحائز وقذفوا فيه النار فارتفع لهبها حتى كان الطائر يمر بها فيحترق من شدة لهبها ثم بنوا بنيانا شامخا وبنوا فوقه منجنيقا ثم رفعوا ابراهيم على رأس البنيان فرفع ابراهيم عليه الصلاة و السلام طرفه الى السماء ودعا الله تعالى وقال ( حسبي الله ونعم الوكيل ) وقيل كان عمره يومئذ ستة وعشرين سنة فنزل اليه جبريل عليه الصلاة و السلام وقال يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا فقال جبريل سل ربك فقال حسبي من سؤالي علمـه بحالي فقال الله تعالى ( يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم )
فلما قذفوه فيها نزل معه جبريل عليه الصلاة و السلام فجلس بـه على الأرض وأخرج الله له ماء عذبا قال كعب ما أحرقت النار غير أكتافه وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام وقيل أكثر من ذلك ونجاه الله تعالى ثم أهلك نمرود وقومـه باخس الأشياء وانتقم منـهم وظفر إبراهيم عليه الصلاة و السلام بهم فهذه ثمرة صبره على مثل هذه الحالة العظمى ولم يجزع منـها وصبر وفوض أمره إلى الله تعالى في ذلك وتوكل عليه ووثق بـه ثم جاءته قصة ذبح ولده وأمره الله تعالى بذلك فقابل أمره بالتسليم والامتثال وسارع إلى ذبحه من غير إهمال ولا إمـهال وقصته مشـهورة وتفاصيل القصة في كتب التفسير مسطورة ظهر صدقه ورضاه ومبادرته الى طاعة مولاه وصبره على ما قدره وقضاه عوضه الله تعالى عن ذبح ولده أن فداء واتخذه خليلا من بين خلقه واجتباه وأما الذبيح صلوات الله وسلامـه عليه فإنـه صبر على بلية الذبح
وتلخيصها أن الله تعالى لما ابتلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام بذبح ولده قال إني أريد أن أقرب قربانا " فأخذ ولده والسكين والحبل وانطلق فلما دخل بين الجبال قال ابنـه أين قربانك يا أبت ؟ قال إن الله تعالى قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) يا أبت أشدد وثاقي كي لا أضطرب وأجمع ثيابك حتى لا يصل اليها رشاش الدم فتراه أمي فيشتد حزنـها وأسرع إمرار السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي وإذ لقيت أمي فاقرأ السلام عليها فأقبل إبراهيم عليه الصلاة و السلام على ولده يقبله ويبكي ويقول نعم العون أنت يا بني على ما أمر الله تعالى قال مجاهد لما أمر السكين على حلقه انقلبت السكين فقال يا أبت اطعن بها طعنا وقال السدي جعل الله حلقة كصحيفة من نحاس لا تعمل فيها السكين شيئا فلما ظهر فيهما صدق التسليم نودي أن يا إبراهيم هذا فداء ابنك فأتاه جبريل عليه السلام بكبش أملح
فأخذه وأطلق ولده وذبح الكبش فلا جرم أن جعل الذبيح نبيا بصبره وامتثاله لأمره
وأما يعقوب عليه الصلاة و السلام فإنـه لما ابتلي بفراق ولده وذهاب بصره واشتداد حزنـه قال فصبر جميل وكذلك يوسف صلوات الله وسلامـه عليهم أجمعين لما ابتلاه الله تعالى بالقائه فى ظلمة الجب وبيعه كما تباع العبيد وفراقه لأبيه وإد السجن وحبسه فيه بضع سنين وأنـه تلقى ذلك كله بصبره وقبوله فلا جرم أورثهما صبرهما جمع شملهما واتساع القدرة بالملك في الدنيا مع ملك النبوة في الآخرة
وأما أيوب عليه الصلاة و السلام فإنـه ابتلاه الله تعالى بهلاك أهله وماله وتتابع المرض المزمن والسقم المـهلك حتى أفضى أمره إلى ما تضعف القوى البشرية من حمله ولنذكر شيئا مختصرا من ذلك وهو أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان يظلم الناس فنـهاه جماعة من الأنبياء عن الظلم وسكت عنـه أيوب عليه الصلاة و السلام فلم يكلمـه ولم ينـهه لأجل خيل كانت له في مملكته فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه الصلاة و السلام تركت نـهيه عن الظلم لأجل خيلك لأطيلن بلاءك فقال إبليس لعنـه الله يارب سلطني على أولاده وماله فسلطه فبث إبليس مردته من الشياطين فبعث بعضهم إلى دوابه ورعاتها فاحتملوها جميعا وقذفوها في البحر وبعث بعضهم إلى زرعه وجناته فأحرقوها وبعث بعضهم إلى منازله وفيها أولاده وكانوا ثلاثة عشر ولدا وخدمـه وأهله فزلزلوها فهلكوا ثم جاء إبليس إلى أيوب عليه الصلاة و السلام وهو يصلي فتمثل له في صورة رجل من غلمانـه فقال يا أيوب أنت تصلي ودوابك ورعاتك قد هبت عليها ريح عظيمة وقذفت الجميع في البحر وأحرقت زرعك وهدمت منازلك على أولادك وأهلك فهلك الجميع ما هذه الصلاة ؟ فالتفت إليه وقال الحمد لله الذي أعطاني ذلك كله ثم قبله مني ثم قام إلى صلاته فرجع إبليس
ثانيا فقال يارب سلطني على جسده فسلطه فنفخ في إبهام رجله فانتفخ ولا زال يسقط لحمـه من شدة البلاء إلى أن بقي أمعاؤه تبين وهو مع ذلك كله صابر محتسب مفوض أمره إلى الله تعالى وكان الناس قد هجروه واستقذروه وألقوه خارجا عن البيوت من نتن ريحه وكنت زوجته رحمة بنت يوسف الصديق قد سلمت فترددت إليه متفقدة فجاءها إبليس يوما في صورة شيخ ومعه سخلة وقال لها ليذبح أيوب هذه السخلة على إسمي فيبرأ فجاءته فأخبرته فقال لها إن شفاني الله تعالى لأجلدنك مائة جلدة تأمريني أن أذبح لغير الله تعالى فطردها عنـه فذهبت وبقي ليس له من يقوم بـه فلما رأى أنـه لا طعام له ولا ولا أحد من الناس يتفقده خر ساجدا لله تعالى وقال ( وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فلما علم الله تعالى منـه ثباته على هذه البلوى طول هذه المدة وهي على ما قيل ثمان عشرة سنة وقيل غير ذلك وإنـه تلقى جميع ذلك بالقبول وما شكا إلى مخلوق ما نزل بـه عاد الله تعالى بألطافه عليه فقال تعالى ( فكشفنا ما بـه من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا ) وأفاض عليه من ن ما أنساه بلوى نقمـه ومنحه من أقسام كرمـه أن أفتاه في يمينـه تحلة قسمـه ومدحه في نص الكتاب فقال تعالى ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب بـه ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنـه أواب ) فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى المواهب لما أمر الله تعالى بـه رسله ذوي الحزم وسماهم بسبب صبرهم أولى العزم وفتح لهم بصبرهم أبواب مرادهم وسؤالهم ومنحهم من لدنـه غاية أمرهم ومأمولهم ومرامـهم فما أسعد من اهتدى بهداهم واقتدى بهم وإن قصر عن مداهم وقيل العسر يعقبه اليسر والشدة يعقبها الرخاء والتعب يعقبه الراحة والضيق
يعقبه السعة والصبر يعقبه الفرج وعند تناهي الشدة تنزل الرحمة والموفق من رزقه صبرا وأجرا والشقي من ساق القدر إليه جزعا ووزرا
ومما شنف السمع من نجح هذه الإشارة وأتحف النفع في نـهج هذه العبارة ما روي عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنـه قال كنت بواسط فرأيت رجلا كأنـه قد نبش من قبر فقلت ما دهاك يا هذا ؟ فقال أكتم على أمري حبسني الحجاج منذ ثلاث سنين فكنت في أضيق حال وأسوأ عيش وأقبح مكان وأنا مع ذلك كله صابر لا أتكلم فلما كان بالأمس أخرجت جماعة كانوا معي فضربت رقابهم وتحدث بعض أعوان السجن أن غدا تضرب عنقي فأخذني حزن شديد وبكاء مفرط وأجرى الله تعالى على لساني فقلت إلهي اشتد الضر وفقد الصبر وأنت المستعان ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية وأنا بين اليقظان والنائم إذا آتاني آت فقال لي قم فصل ركعتين وقل يا من لا يشغله شيء عن شيء يا من أحاط علمـه بما ذرأ وبرأ وأنت عالم بخفيات الأمور ومحصي وساوس الصدور وأنت بالمنزل الأعلى وعلمك محيط بالمنزل الأدنى تعاليت علوا كبيرا يا مغيث أغثني وفك أسري واكشف ضري فقد نفذ صبري فقمت وتوضأت في الحال وصليت ركعتين وتلوت ما سمعته منـه ولم تختلف علي منـه كلمة واحدة فما تم القول حتى سقط القيد من رجلي ونظرت إلى أبواب السجن فرأيتها قد فتحت فقمت فخرجت ولم يعارضني أحد فأنا والله طليق الرحمن وأعقبني الله بصبري فرجا وجعل لي من ذلك الضيق مخرجا ثم ودعني وانصرف يقصد الحجاز
وفيما يروى عن الله تعالى أنـه أوحى إلى داود عليه الصلاة و السلام يا داود من صبر علينا وصل إلينا وقال بعض الرواة دخلت مدينة يقال لها دقار فبينما أنا أطوف في خرابها إذا رأيت مكتوبا بباب قصر خرب بماء الذهب واللازورد هذه الأبيات
( يا من ألح عليه الهم والفكر ... وغيرت حاله الأيام والغير )
( أما سمعت لما قد قيل في مثل ... عند الاياس فأين الله والقدر )
( ثم الخطوب إذا أحداثها طرقت ... فاصبر فقد فاز أقوام بما صبروا )
( وكل ضيق سيأتي بعده سعة ... وكل فوت وشيك بعده الظفر ) ولما حبس أبو أيوب في السجن خمس عشرة سنة ضاقت حيلته وقل صبره فكتب إلى بعض إخوانـه يشكو إليه طول حبسه وقلة صبره فرد عليه جواب رقعته يقول
( صبرا أبا يوب صبر مبرح ... وإذا عجزت عن الخطوب فمن لها )
( إن الذي عقد الذي انعقدت بـه ... عقد المكاره فيك يملك حلها )
( صبرا فإن الصبر يعقب راحة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها ) فأجابه أبو أيوب يقول
( صبرتني ووعظتني وأنا لها ... وستنجلي بل لا أقول لعلها )
( ويحلها من كان صاحب عقدها ... كرما بـه إذ كان يملك حلها ) فما لبث بعد ذلك أياما حتى أطلق مكرما وأنشدوا
إذا ابتليت فثق بالله وارض بـه ... إن الذي يكشف البلوى هو الله )
( اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسن فإن الصانع الله )
( إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ... فما ترى حيلة فيما قضى الله )
الفصل الثالث من هذا الباب في التأسي في الشدة والتسلي عن نوائب الدهر
قال الثوري رحمـه الله تعالى لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة وقيل الهموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب
حكيم رجلا يقول لآخر لا أراك الله مكروها فقال كأنك دعوت عليه بالموت فإن صاحب الدنيا لا بد أن يرى مكروها وتقول العرب ويل أهون من ويلين وقال ابن عيينة الدنيا كلها غموم فما كان فيها من سرور فهو ربح وقال العتبي إذا تناهى الغم إنقطع الدمع بدليل أنك لا ترى مضروبا بالسياط ولا مقدما لضرب العنق يبكي
وقيل تزوج مغن بنائحة فسمعها تقول اللهم أوسع لنا في الرزق فقال لها يا هذه إنما الدنيا فرح وحزن وقد أخذنا بطرفي ذلك فإن كان فرح دعوني وإن كان حزن دعوك وقال وهب بن منبه إذا سلك بك طريق البلاء سلك بك طريق الأنبياء وقال مطرف ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنـه يرفعه " يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومـهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء " وروى أبو عتبة عن النبي قال " إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قالوا وما اقتناه ؟ قال لا يترك له مالا ولا ولدا " ومر موسى عليه الصلاة و السلام برجل كان يعرفه مطيعا لله عز و جل قد مزقت السباع لحمـه وأضلاعه وكبده ملقاة على الأرض فوقف متعجبا فقال أي رب عبدك ابتليته بما أرى فأوحى الله تعالى إليه أنـه سألني درجة لم يبلغها بعمله فأحببت أن أبتليه لأبلغه تلك الدرجة
وكان عروة بن الزبير صبورا حين ابتلي حكي أنـه خرج إلى الوليد ابن يزيد فوطئ عظما فما بلغ إلى دمشق حتى بلغ بـه كل مذهب فجمع له الوليد الاطباء فأجمع رأيهم على قطع رجله فقالوا له اشرب مرقدا فقال ما أحب أن أغفل عن ذكر الله تعالى فأحمى له المنشار وقطعت رجله فقال ضعوها بين يدي ولم يتوجع ثم قال لئن كنت ابتليت في عضو فقد عوفيت في أعضاء فبينما هو كذلك إذ أتاه خبر ولده أنـه أطلع من سطح على دواب الوليد فسقط بينـها فمات فقال الحمد لله على كل حال لئن أخذت واحدا لقد أبقيت جماعة
وقدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير فسأله عن حاله وسبب
ذهاب بصره فقال خرجت مع رفقة مسافرين ومعي مالي وعيالي ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي فعرسنا في بطن واد فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل ومال وولد غير صبي صغير وبعير فشرد البعير فوضعت الصغير على الأرض ومضيت لآخذ البعير فسمعت صيحة الصغير فرجعت إليه فإذا رأس الذئب في بطنـه وهو يأكل فيه فرجعت إلى البعير فحكم وجهي برجليه فذهبت عيناي فأصبحت بلا عينين ولا ولد ولا مال ولا أهل فقال الوليد إذهبوا إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منـه وقيل الحوادث الممضة مكسبة لحظوظ جليلة أما ثواب مدخر أو تطهير من ذنب أو تنبيه من غفلة أو تعريف لقدر النعمة
قال البحتري يسلي محمد بن يوسف على حبسه
( وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب إلى منزل ضنك )
( وقد دهمتك الحادثات وإنما ... صفا الذهب إلا بريز قبلك بالسبك )
( أما في نبي الله يوسف اسوة ... لمثلك محبوس عن الظلم والإفك )
( أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل بـه الصبر الجميل إلى الملك ) وقال علي بن الجهم لما حبسه المتوكل
( قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مـهند لا يغمد )
( والشمس لولا أنـها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد )
( والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلى إن لم تثرها الأزند )
( والحبس ما لم تغشـه لدنية ... شنعاء نعم المنزل المتودد )
( بيت يجدد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد )
( لو لم يكن في الحبس إلا أنـه ... لا تستذلك بالحجاب الأعبد )
( غر الليالي باديات عود ... والمال عارية يعار وينفد )
( ولكل حي معقب ولربما ... أجلى لك المكروه عما يحمد )
( لا يؤيسنك من تفرج نكبة ... خطب رماك بـه الزمان الأنكد )
( كم من عليل ق تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود )
( صبرا فان اليوم يعقبه غد ... ويد الخلافة لا تطاولها يد ) قال وأنشد اسحاق الموصلي في إبراهيم بن المـهدي حين حبس
( هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال )
( يوما تريك خسيس الأصل ترفعه ... إلى العلاء ويوما تخفض العالي ) فما أمسى حتى وردت عليه الخلع السنية من المأمون رضي الله عنـه وقال إبراهيم بن عيسى الكاتب في إبراهيم بن المدني حين عزل
( ليهن أبا إسحاق أسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل )
( شـهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل ) وقال آخر
( قد زاد ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع ) وقال أبو بكر الخوارزمي لمعزول الحمد لله الذي ابتلي في الصغير وهو المال وعافى في الكبير وهو الحال
( ولا عار إن زالت عن الحر ن ... ولكن عارا أن يزول التجمل ) وقيل المال حظ ينقص ثم يزيد وظل ينحسر ثم يعود وسئل بزرجمـهر عن حاله في نكبته فقال عولت على أربعة أشياء أولها أني قلت القضاء والقدر لا بد من جريانـهما الثاني أني قلت أن لم أصبر فما أصنع الثالث أني قلت قد كان يجوز أن يكون أعظم من هذا الرابع أني قلت لعل الفرج قريب والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب السابع والخمسون ما جاء في اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والفرح والسرور ونحو ذلك مما يتعلق بهذا الباب
فمما يليق بهذا الباب من كتاب الله عز و جل قوله تعالى ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وقوله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) وقوله تعالى ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنـهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ) ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنـه عن النبي قال لو كان العسر في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه وقال عليه الصلاة و السلام " عند تناهي الشدة يكون الفرج وعند تضايق البلاء يكون الرخاء " وقال علي رضي الله عنـه عن النبي " أفضل عبادة أمتي انتظارها فرج الله تعالى " وقال الحسن لما نزل قوله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال النبي " أبشروا فلن يغلب عسر يسرين " ومن كلام الحكماء إن تيقنت لم يبق هم وقال أبو حاتم
( إذا اشتملت على البؤس القلوب ... وضاق بما بـه الصدر الرحيب )
( وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنـه الخطوب )
( ولم نر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب )
( أتاك على قنوط منك غوث ... يمن بـه اللطيف المستجيب ) وقال آخر
( عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب )
( فيأمن خائف ويغاث عان ... ويأتي أهله النائي الغريب ) وقال آخر
( تصبر أيها العبد اللبيب ... لعلك بعد صبرك ما تخيب )
( وكل الحادثات إذا تناهت ... يكون وراءها فرج قريب ) وقال إبراهيم بن العباس
( ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منـها المخرج )
( ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنـها لا تفرج ) وقال آخر
( لئن صدع البين المشتت شملنا ... فللبين حكم في الجموع صدوع )
( وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع )
( وإن نعمة زالت عن الحر وانقضت ... فإن بها بعد الزوال رجوع )
( فكن واثقا بالله واصبر لحكمـه ... فان زوال الشر عنك سريع )
ولنذكر نبذة ممن حصل له الفرج بعد الشدة روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله عامله على المدينة المنورة أن اخرج الحسن بن الحسن بن علي من السجن وكان محبوسا واضربه في مسجد رسول الله خمسمائة سوط فأخرجه إلى
المسجد واجتمع الناس وصعد صالح يقرأ عليهم الكتاب ثم نزل يأمر بضربه فبينما هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي ين الحسين عليه السلام فأفرج له الناس حتى أتى الى جنب الحسن فقال يا ابن العم مالك ادع الله تعالى بدعاء الكرب يفرج الله عنك قال ما هو يا ابن العم ؟ فقال لا إله إلا الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان رب السموات ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ثم أنصرف عنـه وأقبل الحسن يكررهما فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل قال أراه في سجنـه مظلوما أخرجوه وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره فأطلق بعد أيام وأتاه الفرج من عند الله تعالي وقال الربيع لما حبس المـهدي موسى ابن جعفر رأى في المنام عليا رضي الله تعالى عنـه وهو يقول يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال الربيع فأرسل المـهدي الى ليلا فراغني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان حسن الصوت فقص علي الرؤيا ثم قال ائتني بموسى ين جعفر فجئته يه فعانقه وأجلسه الى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين يقرأ علي كذا فعاهدني أن لا تخرج علي ولا على أحد من ولدي فقال والله ما ذاك من شأني فقال صدقت ثم قال يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله بالمدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا على الطريق وقال إسماعيل بن بشار
( وكل حر وإن طالت بليته ... يوما تفرج غماه وتنكشف ) وقال مسلم بن الوليد كنت يوما جالسا عند خياط بازاء منزلي فمر بي انسان أعرفه فقمت اليه وسلمت عليه وجئت بـه الى منزلي لاضيفه وليس معي درهم بل كان عندي زوج أخفاف فارسلتها مع جاريتي لبعض معارفها فباعهما بتسعة دراهم واشترت بها ما قلته لها من الخبز واللحم فجلسنا نأكل وإذا بالباب يطرق فنظرت من شق الباب وإذا بانسان يسأل هذا منزل فلان ؟ ففتحت الباب وخرجت فقال أنت مسلم بن الوليد قلت نعم واستشـهدت له بالخياط على ذلك فاخرج لي كتابا وقال هذا من الأمير
يزيد ين مزيد فإذا فيه قد بعثنا لك بعشرة آلاف درهم لتكون في منزلك وثلاثة آلاف درهم تتجمل بها لقدومك علينا فأدخلته الى دراي وزدت في الطعام واشتريت فاكهة وجلسنا فأكلنا ثم وهبت لضيفي شيئا يشتري بـه هدية لأهله وتوجهنا الى باب يزيد بالرقة فوجدناه في ال فلما خرج إستؤذن لي عليه فدخلت فإذا هو جالس على كرسي وبيده مشط يسرح بـه لحيته فسلمت عليه فرد أحسن رد وقال ما الذي أقعدك عنا ؟ قلت قلة ذات اليد وأنشدته قصيدة مدحته بها قال أتدري لم أحضرتك ؟ قلت لا أدري قال كنت عند الرشيد منذ ليال أحادثه فقال لي يا يزيد من القائل فيك هذه الأبيات
( سل الخليفة سيفا من بني مضر ... يمضي فيخترق الاجسام والهاما )
( كالدهر لا ينثني عما يهم بـه ... قد أوسع الناس إنعاما وارغاما ) فقلت والله لا أدري يا أمير المؤمنين فقال سبحان الله أيقال فيك مثل هذا ولا تدري من قاله ؟ فسألت فقيل لي هو مسلم بن الوليد فأرسلت اليك فانـهض بنا الى الرشيد فسرنا اليه واستؤذن لنا فدخلنا عليه فقبلت الأرض وسلمت فرد على السلام فأنشدته ما لي فيه من شعر فأمر لي بمائتي ألف درهم وأمر لي يزيد بمائة وتسعين ألف درهم و قال ما ينبغي لي أن اساوي أمير المؤمنين في العطاء فانظر الى هذا التيسير الجسيم بعد العسر العظيم وما أحسن ما قيل
( الامن والخوف أيام مداولة ... بين الانام وبعد الضيق تتسع ) ولما وجه سليمان بن عبد المملك محمد بن يزيد الى العراق ليطلق أهل السجون ويقسم الأموال ضيق على يزيد ين أبي مسلم فلما ولي يزيد ابن عبد الملك الخلافة ولي يزيد بن أبي مسلم أفريقية وكان محمد ين يزيد واليا عليها فاستخفى محمد بن يزيد فطلبه يزيد بن أبي مسلم وشدد في طلبه فأتى بـه اليه في شـهر رمضان عند المغرب وكان في يد يزيد ين أبي مسلم عنقود عنب فقال لمحمد بن يزيد حين رآه يا محمد ين يزيد قال
قال طالما سألت الله أن يمكنني منك فقال وأنا والله طالما سألت الله أن يجيرني منك فقال والله ما أجارك ولا أعادك وان سبقني ملك الموت الى قبض روحك سبقته والله لا آكل هذه الحبة العنب حتى أقتلك ثم أمر بـه فكتف ووضع في النطع وقام السياف فأقيمت الصلاة فوضع العنقود من يده وتقدم ليصلي وكان أهل أفريقية قد أجمعوا على قتله فلما رفع رأسه ضربه رجل بعمود على رأسه فقتله وقيل لمحمد بن يزيد اذهب حيث شئت فسبحان من قتل الأمير وفك الأسير قال اسحق بن إبراهيم الموصلي رأيت رسول الله في النوم وهو يقول أطلق القاتل فارتعت لذلك ودعوت بالشموع ونظرت في أوراق السجن وإذا ورقة إنسان ادعى عليه بالقتل وأقربه فأمرت بإحضاره فلما رأيته وقد ارتاع فقلت له أن صدقتني أطلقتك فحدثني انـه كان هو وجماعة من أصحابه يرتكبون كل عظيمة وأن عجوزا جاءت لهم بامرأة صارت عندهم صاحت الله الله وغشي عليها فلما أفاقت قالت أنشدك الله في أمري فان هذه العجوزة غرتني وقالت ان في هذه الدار نساء صالحات وأنا شريفة جدي رسول الله وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم في فقمت دونـها وناضلت عنـها فاشتد علي واحد من الجماعة وقال لا بدمنـها وقاتلني فقتلته وخلصت الجارية من يده فقالت سترك الله كما سترتني وسمع الجيران الصيحة فدخلوا علينا فوجدوا الرجل مقتولا والسكين بيدي فامسكوني وأتوا بي إليك وهذا أمري فقال اسحق قد وهبتك لله ولرسوله فقال وحق اللذين وهبتني لهما لا أعود إلى معصية أبدا وأمر الحجاج بإحضار رجل من السجن فلما حضر أمر بضرب عنقه فقال أيها الأمير أخرني الى غد قال وأي فرج لك في تأخير يوم واحد ؟ ثم أمر إلى السجن فسمعه الحجاج في السجن يقول
( عسى فرج يأتي بـه الله إنـه ... له كل يوم في خليقته أمر )
فقال الحجاج والله ما أخذه إلا من كتاب الله وهو قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) وامر باطلاقه وقال بعض جلساء المعتمد كنا بين يديه ليلة فخفق رأسه بالنعاس فقال لا تبرحوا حتى أغفي سويعة فغفا ساعة ثم أفاق جزعا مرعوبا وقال امضوا الى السجن وائتوني بمنصور الجمال فجاؤا بـه فقال له كم لك في السجن ؟ قال سنة ونصف قال على ماذا ؟ قال أنا جمال من أهل الموصل وضاق علي الكسب ببلدي فأخذت جملي وتوجهت الى بلد غير بلدي لأعمل عليه فوجدت جماعة من الجند قد ظفروا بقوم غير مستقيمي الحال وهو مقدار عشرة أنفس وجدوهم يقطعون الطريق فدفع واحد منـهم شيئا للأعوان فأطلقوه وأمسكوني عوضه وأخذوا جملي فناشدتهم الله فأبوا وسجنت أنا والقوم فأطلق بعضهم ومات بعضهم وبقيت أنا فدفع له المعتمد خمسمائة دينار وأجرى له ثلاثين دينارا في كل شـهر وقال اجعلوه على جمالنا ثم قال أتدرون ما سبب فعلي هذا ؟ قلنا لا قال رأيت رسول الله وهو يقوم أطلق منصورا الجمال من السجن وأحسن اليه وأخذ الطاعون أهل بيت فسد بابه ففضل فيه طفل يرضع لم يشعر بـه أحد ففتح الباب بعد شـهر فوجدوا الطفل قد عطف الله عليه كلبة ترضعه مع جرو لها فسبحان القادر على كل شئ لا إله غيره ولا معبود سواه قال الشاعر
( إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فاضيق الأمر أدناه إلى الفرج ) ( وقال آخر )
( فلا تجزعن ان أظلم الدهر مرة ... فإن إعتكار الليل يؤذن بالفجر ) ( وقال آخر )
( لعمرك ما كل التعاطيل ضائرا ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعه )
( إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم لذة الدعه )
( فان ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا رب ضيق في عواقبه سعه ) وقال الرياشي ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية حيث قال
( هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر )
( أتيأس أن ترى فرجا ... فأين الله والقدر )
( إلا سرى عني وهبت ريح الفرج ... )
ويروى أن سلطان صقلية أرق ذات ليلة ومنع النوم فأرسل إلى قاعد البحر وقال له انفذ الآن مركبا إلى أفريقية يأتوني بأخبارها فعمد القائد إلى مقدم مركب وأرسله فلما أصبحوا إذا بالمركب في موضعه كأنـه لم يبرح فقال الملك لقائد البحر أليس قد فعلت ما أمرتك بـه ؟ قال نعم قد امتثلت أمرك وأنفذت مركبا فرجع بعد ساعة وسيحدثك مقدم المركب فأمر بإحضاره فجاء ومعه رجل فقال له الملك ما منعك أن تذهب حيث أمرت ؟ قال ذهبت بالمركب فبينما أنا في جوف الليل والرجال يجدفون أذا بصوت يقول يا الله يا الله يا غياث المستغيثين يكررها مرارا فلما استقر صوته في أسماعنا ناديناه مرارا لبيك لبيك وهو ينادي يا الله يا الله يا غياث المستغيثين فجدفنا بالمركب نوح الصوت فلقينا هذا الرجل غريقا في آخر رمق من الحياة فطلعنا بـه المركب وسألناه عن حاله فقال كنا مقلعين من أفريقية فغرقت سفينتنا منذ أيام وأشرفت على الموت وما زلت أصيح حتى أتاني الغوث من ناحيتكم فسبحان من أسهر سلطانا وأرقه في قصره لغريق في البحر حتى استخرجه من تلك الظلمات الثلاث ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الوحدة فسبحانـه لا إله غيره ولا معبود سواه
وحكي سيدي أبو بكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك قال أخبرني أبو الوليد الباجي عن أبي ذر قال كنت أقرأ على الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد جزأ من الحديث في حانوت رجل عطار فبينما أنا جالس معه في الحانوت إذ جاء رجل من الطوافين ممن
يبيع العطر في طبق يحمله على يده فدفع إليه عشرة دراهم وقال له اعطني بها أشياء سماها له من العطر فأعطاه اياها فأخذها في طبقه وأراد أن يمضي فسقط الطبق من يده فانكب جميع ما فيه فبكى الطواف وجزع حتى رحمناه فقال أبو حفص لصاحب الحانوت لعلك تعينـه على بعض هذه الأشياء فقال سمعا وطاعة فنزل وجمع له ما قدر على جمعه منـها ودفع له ما عدم منـها وأقبل الشيخ على الطواف يصبره ويقول له لا تجزع فأمر الدنيا أيسر من ذلك فقال الطواف أيها الشيخ ليس جزعي لضياع ما ضاع لقد علم الله تعالى أني كنت في القافلة الفلانية فضاع لي هميان فيه أربعة آلاف دينار ومعها فصوص قيمتها كذلك فما جزعت لضياعها حيث كان لي غيرها من المال ولكن ولد لي ولد في هذه الليلة فاحتجنا لامة ما تحتاج النفساء ولم يكن عندي غير هذه العشرة دراهم فخشيت أن أشتري بها حاجة النفساء فأبقى بلا رأس مال وأنا قد صرت شيخا كبيرا لا أقدر على التكسب فقلت في نفسي أشتري بها شيئا من العطر فأطوف بـه صدر النـهار فعسى أستفضل شيئا أسد بـه رمق أهلي ويبقى رأس المال أتكسب بـه واشتريت هذا العطر فحين انكب الطبق علمت أنـه لم يبق لي الا الفرار منـهم فهذا الذي أوجب جزعي
قال أبو حفص وكان رجل الجند جالسا إلى جانبي يستوعب الحديث فقال للشيخ أبي حفص يا سيدي أريد أن تأتي بهذا الرجل إلى منزلي فظننا أن يعطيه شيئا قال فدخلنا إلى منزله فأقبل على الطواف وقال له عجبت من جزعك فأعاد عليه القصة فقال له الجندي وكنت في تلك القافلة ؟ قال نعم وكان فيها فلان وفلان فعلم الجندي صحة قوله فقال وما علامة الهميان وفي أي موضع سقط منك ؟ فوصف له المكان والعلامة قال الجندي إذا رأيته تعرفه قال نعم فأخرج الجندي له هميانا ووضعه بين يديه فحين رآه صاح وقال هذا همياني والله وعلامة صحة قولي أن فيه من الفصوص ما هو كيت وكيت ففتح الهميان فوجده كما ذكر فقال الجندي خذ مالك بارك الله لك فيه فقال الطواف إن هذه الفصوص قيمتها مثل الدنانير وأكثر فخذها وأنت في حل منـها ونفسي طيبة بذلك فقال الجندي ما كنت
لآخذ على أمانتي مالا وبي أن يأخذ شيئا ثم دفعها للطواف جميعها فأخذها ومضى ودخل الطواف وهو من الفقراء وخرج وهو من الأغنياء اللهم أغن فقرنا ويسر أمرنا برحمتك يا أرحم الراحمين
وحكي أن الملك ناصر الدولة من آل حمدان كان يشكو وجع القولنج حتى أعيا الأطباء دواؤه لم يجدوا له شفاء فدسوا على قتله وأرصدوا له رجلا ومعه خنجر فلما كان في بعض دهاليز القصر وثب عليه ذلك الرجل وضربه بالخنجر فجاءت الضربة أسفل خاصرته فلم تخط المعي الذي فيه القولنج فخرج ما فيه من الخلط فعافاه الله تعالى وبرئ أحسن ما كان وبضد هذا ما حكاه أبو بكر الطرطوشي قال حدثنا القاضي أبو مروان الداراني بطرطوشة قال نزلت قافلة بقرية خربة من أعمال دانية فأووا إلى دار خربة هناك فاستكنوا فيها من الرياح والأمطار واستوقدوا نارهم وسووا معيشتهم وكان في تلك الخربة حائط مائل قد أشرف على الوقوع فقال رجل منـهم يا هؤلاء لا تقعدوا تحت هذا الحائط ولا يدخلن أحد في هذه البقعة فأبوا إلا ها فاعتزلهم ذلك الرجل وبات خارجا عنـهم ولم يقرب ذلك المكان فأصبحوا في عافية وحملوا على دوابهم فبينما هم كذلك إذ دخل ذلك الرجل إلى الدار لييقضي حاجته فخر عليه الحائط فمات لوقته
قال وأخبرني أبو القاسم بن حبيش بالموصل قال لقد جرت في هذه الدار وأشار إلى دار هناك قضية عجيبة قلت وما هي ؟ قال كان يسكن هذه الدار رجل من التجار ممن يسافر إلى الكوفة في تجارة الخز فاتفق أنـه جعل جميع ما معه من الخز في خرج وحمله على حماره وسار مع القافلة فلما نزلت القافلة أراد انزال الخرج عن الحمار فثقل عليه فأمر انسانا هناك فأعانـه على انزاله ثم جلس يأكل فاستدعى ذلك الرجل ليأكل معه فسأله عن أمره فأخبره أنـه من أهل الكوفة وأنـه خرج لحاجة عرضت له بغير نفقة ولا زاد فقال له الرجل كن رفيقي آنس بك وتعينني على سفري ونفقتك ومؤنتك علي فقال له الرجل وأنا أيضا أختار صحبتك وأرغب في مرافقتك فسار معه في سفره وخدمـه أحسن خدمة إلى أن وصلا إلى تكريت فنزل الرفقة خارج المدينة ودخل
الناس إلى قضاء حوائجهم فقال التاجر لذلك الرجل احفظ حوائجنا حتى أدخل المدينة وأشتري ما نحتاج إليه ثم دخل المدينة وقضى جميع حوائجه ورجع فلم يجد القافلة ولا صاحبه ورحلت الرفقة ولم ير أحدا فظن أنـه لما رحلت الرفقة رحل ذلك الخادم معهم فلم يزل يسير ويجد في السير في المشي إلى أن أدرك القافلة بعد جهد عظيم وتعب شديد فسألهم عن صاحبه فقالوا ما رأيناه ولا جاء معنا ولكنـه ارتحل على أثرك فظننا أنك أمرته فكر الرجل راجعا إلى تكريت وسأل عن الرجل فلم يجد له أثرا ولا سمع له خبرا فيئس منـه ورجع إلى الموصل مسلوب المال فوصلها نـهارا فقيرا جائعا عريانا مجهودا فاستحى أن يدخلها نـهارا فتشمت بـه الأعداء نعوذ بالله من شماتتهم وخشى أن يحزن الصديق إذا رآه على تلك الحالة فاستخفى إلى الليل ثم عاد إلى داره فطرق الباب فقيل له من هذا قال فلان يعني نفسه فأظهروا له سرورا عظيما وحاجة إليه وقالوا الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت على ما نحن فيه من الضرورة والحاجة فانك أخذت مالك معك وما تركت لنا نفقة كافية واطلت سفرك واحتجنا وقد وضعت زوجتك اليوم والله ما وجدنا ما نشتري بـه شيئا للنفساء فأتنا بدقيق ودهن نسرج بـه علينا فلا سراج عندنا فلما سمع ذلك ازداد غما على غمـه وكره أن يخبرهم بحاله فيحزنـهم بذلك فأخذ وعاء للدهن ووعاء للدقيق وخرج إلى حانوت أمام داره وكان فيه رجل يبيع الدقيق والزيت والعسل ونحو ذلك وكان البياع أطفأ سراجه وأغلق حانوته ونام فناداه فعرفه فأجابه وشكر الله على سلامته فقال له افتح حانوتك وأعطنا ما نحتاج إليه من دقيق وعسل ودهن فنزل البياع إلى حانوته وأوقد المصباح ووقف يزن له ما طلب فبينما هو كذلك إذ حانت من التاجر التفاتة إلى قعر الحانوت فرأى خرجه الذي هرب بـه صاحبه فلم يملك نفسه أن وثب إليه والتزمـه وقال يا عدو الله ائتني بمالي فقال له البياع ما هذا يا فلان ؟ والله ما علمتك متعديا وأنا أبدا ما جنيت عليك ولا على غيرك فما هذا الكلام قال هذا خرجي هرب بـه خادم كان يخدمني وأخذ حماري وجميع مالي فقال البياع والله ما لي علم غير أن رجلا ورد علي بعد العشاء واشترى مني عشاءه وأعطاني هذا
الخرج فجعلته في حانوتي وديعة إلى حين يصبح والحمار في دار جارنا والرجل في المسجد نائم قال له أحمل معي الخرج وامض بنا إلى الرجل فرفع الخرج على عاتقه ومضى معه إلى المسجد فإذا الرجل نائمن في المسجد فوكزه برجله فقام الرجل مرعوبا فقال مالك قال أين مالي يا خائن ؟ قال ها هو في خرجك فوالله ما أخذت منـه ذرة قال فأين الحمار وآلته قال هو عند هذا الرجل الذي معك فعفا عنـه وخلى سبيله ومضى بخرجه إلى داره فوجد متاعه سالما فوسع على أهله وأخبرهم بقصته فازداد سرورهم وفرحهم وتبركوا بذلك المولود فسبحان من لا يخيب من قصده ولا ينسى من ذكره
( ولنلحق بهذا الباب ذكر شيء مما جاء في التهنئة والبشائر )
كتب بعضهم إلى أخيه وقد أتاه خبرا استبشر بـه سمعت عنك خبرا سارا كتب في الألواح وامتزج بالأرواح وعد في جملة البشائر العظام وجرى في العروق وتمشي في العظام وكان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام بن عبد الملك من الرضاع وكان يقول له اني لأرى فيك آثار الخلافة ولا تموت حتى تليها فقال له ان أنا وليتها فلك العراق فلما ولى أتاه فقام بين الصفين وقال يا أمير المؤمنين أعزل الله بعزته وأيدك بملائكته وبارك لك فيما ولاك ورعاك فيما استرعاك وجعل ولايتك على أهل الاسلام نعمة وعلى أهل الشرك نقمة لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها وأنت لها أزين منـها لك وما مثلها ومثلك إلا كما قال الأحوص هذه الأبيات
( وإن الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا )
( وتزيدن أطيب الطيب طيبا ... إن تمسسه أين مثلك أينا ) ودخل على المـهدي اعرابي فقال له فيم جئت ؟ قال أتيتك برسالة قال هاتها قال أتاني آت في منامي فقال ائت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات
( لكم ارث الخلافة من قريش ... تزف إليكمو أبدا عروسا )
( إلى هرون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا ) فقال المـهدي يا غلام علي بالجواهر فحشا فاه حتى كاد ينشق ثم قال اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها في بخانق صبياننا
قال إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة
( ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هرون أشرق نورها )
( تلبست الدنيا جمالا بملكه ... فهرون واليها ويحيى وزيرها ) وغناه بهما من وراء الحجاب فوصله بمائة ألف دينار ويحيى بخمسين ألفا ودخل عطاء بن أبي صيفي على يزيد بن معاوية وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية فقال رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله قضى معاوية نحبه فغفر الله ذنبه ووليت الرئاسة وكنت أحق بالسياسة فاحتسب عند الله أعظم الرزية واشكر الله على أعظم العطية ومر عمر ابن هبيرة بعد إطلاقه من السجن بالرقة فاذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحادث جارة لها ليلا وهي تقول لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفسا وقري عينا والله سبحانـه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب الثامن والخمسون في ذكر العبيد والاماء والخدم وفيه فصلان
الفصل الأول في مدح العبيد والاماء والاستيصاء بهم خيرا
عن علي رضي الله تعالى عنـه قال قال رسول الله " أول من يدخل الجنة شـهيد وعبد أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعن ابن عمر رضي الله عنـه تعالى عنـهما ( رفعه ) إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين " وكان زيد بن حارثة خادما لخديجة رضي الله تعالى عنـها اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول الله فجاءه أبوه يريد شراءه منـه فقال رسول الله إن رضي بذلك فعلت فسئل زيد فقال ذل الرق مع صحابة رسول الله أحب إلى من عز الحرية مع مفارقته فقال رسول الله إذا اختارانا اخترناه فأعتقه وزوجه أم أيمن وبعدها زينب بنت جحش ون علي رضي الله تعالى عنـه قال كان آخر كلام رسول الله " أوصيكم بالصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنـه لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم أماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي وعن ابن مسعود الأنصاري قال ضربت غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا " اعلم يا أبا مسعود إن الله أقدر عليك منك عليه " فالتفت فإذا هو النبي فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار
وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنـهما قال جاء رجل إلى
رسول الله فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ ثم أعاد عليه فصمت فلما كانت الثالثة قال له أعفو عنـه كل يوم سبعين مرة وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنـه قال حدثني أبو القاسم نبي التوبة " من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جلد له يوم القيامة حدا " وقيل أراد رجل بيع جاريته فبكت فقال لها مالك ؟ فقالت لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي فأعتقها وتزوجها وقال أبو اليقظان إن قريشا لم تكن ترغب في أمـهات الأولاد حتى ولدن ثلاثة هم خير أمل زمانـهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وذلك أن عمر رضي الله تعالى عنـه أتى ببنات يزدجرد بن شـهرياربن كسرى مسبيات فأراد بيعهن فأعطاهن للدلال ينادي عليهن بالسوق فكشف عن وجه إحداهن فلطمته لطمة شديدة على وجهه فصاح واعمراه وشكا إليه فدعاهن عمر وأراد أن يضربهن بالدرة فقال علي رضي الله تعالى عنـه يا أمير المؤمنين إن رسول الله قال " أكرموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر " إن بنات الملوك لا يبعن ولكن قوموهن فقومـهن وأعطاه أثمانـهن وقسمـهن بين الحسن بن علي ومحمد بن أبي بكر وعبد الله ابن عمر فولدن هؤلاء الثلاثة وقيل استبق بنو عبد الملك فسبقوا مسلمة وكان ابن أمة فتمثل عبد الملك بقول عمرو العبدي
( نـهيتكمو أن تحملوا فوق خيلكم ... هجينا لكم يوم الرهان فيدرك )
( فتعثر كفاه ويسقط سوطه ... ويخدر ساقاه فما يتحرك )
( وهل يستوي المرآن هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك ) فقال له مسلمة يغفر الله لك يا أمير المؤمنين ليس هذا مثلي ولكن كما قال ابن المعمر هذه الأبيات
( فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناهم بأرماحنا فسرا )
( فما زادنا فيها السباء مذلة ... ولا كلفت خبزا ولا طبخت قدرا )
( وكم قد ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقى الأبطال يطعنـهم شزرا )
( ويأخذ ريان الطعان بكفه ... فيوردها بيضا ويصدرها حمرا ) فقبل رأسه وعينيه وقال أحسنت يا بني ذاك والله أنت وأمر له بمائة ألف درهم مثل ما أخذ السابق والله أعلم
الفصل الثاني في ذم العبيد والخدم
روي عن رسول الله أنـه قال " بئس المال في آخر الزمان المماليك " وقال مجاهد إذا كثرت الخدم كثرت الشياطين وقال لقمان لابنـه لا تأمنن امرأة على سر ولا تطأ خادما تريدها للخدمة ووصف بعضهم عبدا فقال يأكل فارها ويعمل كارها ويبغض قوما ويحب نوما وقيل لبعضهم ألك غلام ؟ فقال
( ومالي غلام فادعوا بـه ... سوى من أبوه أخو عمتي ) وقال أكثم
( الحر حر وإن مسه الضر ... والعبد عبد وإن ألبسته الدر ) ودعا بعض أهل الكوفة إخوانـه وله جارية فقصرت فيما ينبغي لهم من الخدمة فقال
( إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... رأى خللا فيما تولى الولائد )
( فلا يتخذ منـهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله بئس القعائد ) وكان لرجل غلام من أكسل الناس فأرسله يوما يشتري له عنبا وتينا فأبطأ عليه حتى عيل صبره ثم جاء بأحدهما فضربه وقال ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين فمرض الرجل
فأمر الغلام أن ييه بطبيب فغاب ثم جاء بالطبيب ومعه رجل آخر فسأله عنـه فقال أما ضربتني وأمرتني أن أفضي حاجتين في حاجة فجئتك بالطبيب فان شفاك الله تعالى وإلا حفر لك هذا قبرك فهذا طبيب وهذا حفار وقيل كان عمرو الاعجمي يلي حكم السند فكتب إلى موسى الهادي إن رجلا من أشراف أهل الهند من آل المـهلب ابن أبي صفرة اشترى غلاما أسود فرباه وتبناه فلما كبر وشب أشتد بـه هوى مولاته فراودها عن نفسها فأجابته فدخل مولاه يوما على غفلة منـه من حيث لا يعلم فاذا هو على صدر مولاته فعمد إليه فجب ذكره وتركه يتشحط في دمـه ثم أدركته عليه رقة وندم على ذلك فعالجه إلى أن برئ من علته فأقام الغلام بعدها مدة يطلب أن يأخذ ثأره من مولاه ويدبر عليه أمرا يكون فيه شفاء غليله وكان لمولاه إبنان أحدهما طفل والآخر يافع كأنـهما الشمس والقمر فغاب الرجل يوما عن منزله لبعض الأمور فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما على ذروة سطح عال فنصبهما هناك وجعل يعللهما بالمطعم مرة وباللعب أخرى إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه فرأى في شاهق مع الغلام فقال ويلك عرضت ابني للموت قال أجل والله الذي لا يحلف العبد بأعظم منـه لئن لم تجب ذكرك مثل ما جببتني لأرمين بهما فقال الله الله يا ولدي في تربيتي لك قال دع هذا عنك فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها في شربة ماء فجعل يكرر عليه ويتضرع له وهو لا يقبل ذلك ويذهب الوالد يريد الصعود إليه فيدليهما من ذلك الشاهق فقال أبوهما ويلك فاصبر حتى أخرج مدية وأفعل ما أمرت ثم أسرع وأخذ مدية فجب نفسه وهو يراه فلما رأى الأسود ذلك رمى الصبيين من ذلك الشاهق فتقطعا وقال إن جبك لنفسك ثأري وقتل أولادك زيادة فيه فأخذ الأسود وكتب بخبره لموسى الهادي فكتب موسى لصاحب السند عمرو الأعجمي بقتل الغلام وقال ما سمعت بمثل هذا قط وأمر أن يخرج من مملكته كل أسود فما ترى أردأ من العبيد ولا أقل خيرا منـهم وأكثرهم رداءة المولدون لو أحسنت إلى أحدهم الدهر كله بكل ما تصل يدك إليه أنكره كأن لم ير منك شيئا وكلما أحسنت إليه
تمرد وإن أسأت إليه خضع وذل وقد جربت أنا ذلك كثيرا وما أحسن ما قيل
( إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ) وقيل إن العبد إذا شبع فسق وإن جاع سرق وكان جدي لأمي يقول شر المال تربية العبيد والمولدون منـهم ألأم من الزنوج وأردأ لأن المولد لا يعرف له أبا وربما يعرف الزنجي أبويه ويقال في المولد بغل لأنـه مجنس والبغل تكون أمـه فرسا وأبوه حمارا وبالعكس فلا تثق بمولد لأنـه قل أن يكون فيه خير وإن كان فذاك نادر والنادر لا حكم له وأنا أستغفر الله العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب التاسع والخمسون في أخبار العرب الجاهلية و أوابدهم وذكر غرائب من عوائدهم وعجائب من أكاذيبهم
للهرب أوابد وعوائد كانوا يرونـها فضلا وقد دل على بعضها القرآن العظيم وأكذب الله دعاويهم فيها فمن ذلك قوله تعالى ( وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) قال أهل اللغة البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان الأخير ذكرا بحروا أذنـها أي شقوا أذنـها وامتنعوا من ذكاتها ولا تمنع من ماء ولا مرعى وكان الرجل اذا اعتق عبدا وقال هو سائبة فلا عقد بينـهما ولا ميراث وأما الوصيلة ففي الغنم كانت الشاة اذا ولدت أنثى فهي لهم وان ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم فان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبح الذكر لآلهتهم فان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبح لآلهتهم وأما الحام فالذكر من الابل كانت العرب إذا نتج من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فلا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى وقال تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) فالخمر ما خامر العقل ومنـه سميت الخمر خمرا والميسر القمار والأنصاب حجارة كانت لهم يعبدونـها وهي الأوثان واحداها نصب والأزلام سهام كانت
لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نـهاني ربي فاذا أراد الرجل سفرا أو أمرا يهتم بـه ضرب بتلك القداح فاذا خرج الأمر مضى لحاجته واذا خرج النـهي لم يمض ومن أوابدهم وأد البنات أي دفنـهن أحياء كانوا في الجاهلية اذا رزق أحدهم أنثى وأدها وإذا بشر بها ضاق صدره وكظم وجهه وهو قوله تعالى ( واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) وقال تعالى ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) وقد قيل إنـهم كانوا يقتلونـهن خوف العار وبمكة جبل يقال له أبو دلامة كانت قريش تئد فيه البنات وقيل إن صعصعة جد الفرزدق كان يشتري البنات ويفديهن من القتل كل بنت بناقتين عشراوين وجمل وفاخر الفرزدق رجلا عند بعض خلفاء بني أمية فقال أنا ابن محي الموني فأنكر الرجل ذلك فقال إن الله تعالى يقول ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )
وأما الرفادة في الحج فكانت خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالهم الي قصي فيصنع بـه طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد وذلك أن قصيا فرضه على قريش فقال لهم حين أمرهم بـه يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم وإن الحجاج ضيوف الله وزوار بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاما وا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ففعلوا وكانوا يخرجون ذلك كل عام من أموالهم فيدفعونـه اليهم وقيل أول من أقام الرفادة عبد المطلب وهو الذي حفر بئر زمزم و كانت مطمومة واستخرج منـها الغزالين الذهب اللذين عليهما الدر والجوهر وغير ذلك من الحلى وسبعة أسياف وخمسة دروع سوابغ فضرب من الأسياف باب الكعبة وجعل أحد الغزالين الذهب صفائح الذهب وجعل الآخر في الكعبة
واعلم وفقني الله وإياك إنـه لم يسمع بعجب أعظم من عجب سعيد بن زرارة وعبد الله بن زياد التميمي وابن سماك الاسدي الذين ضرب بهم المثل فأما سعيد ين زرارة فقيل إنـه مرت بـه امرأة فقالت له يا عبد الله كيف الطريق الى مكان كذا فقال لها يا هنتاه مثلي يكون من عبيد الله ؟ وأما عبد الله بن زياد التميمي فقيل إنـه خطب الناس بالببصرة فأحسن وأوجز فنودي منن نواحي المسجد كثر الله فينا مثلك فقال لقد كلفتم الله شططا وأما ابن سماك فإنـه أضل راحلته فالتمسها فلم توجد فقال والله لئن لم يرد راحلتي على لا صليت له ابدا فوجدت وقد تعلق زمامـها ببعض أغصان الشجر فقيل له قد رد الله عليك راحلتك فصل فقال انما كانت يميني يمينا قصدا فانظر رحمك الله الى هذا العجب كيف ذهب بهم حتى أفضى بهم الى الكفر وصاروا حديثا مستبشعا ومثلا بين العالمين مستشنعا نعوذ بالله من الخذلان المؤدي الى النيران ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم حكي عن الحجاج بن يوسف الثقفي انـه قيل كيف وجدت منزلك بالعراق ؟ قال خير منزل ان الله أظفرني بأناس بلغني الأمل فيهم وأعانني على الانتقام منـهم فكنت أتقرب اليه بدمائهم فقيل له من هم ؟ فذكر هؤلاء الثلاثة وذكر حديثهم ولا محالة أنـها من محاسن الحجاج وأن قلت في جنب سيئاته والله تعالى أعلم
ذكر أديان العرب في الجاهلية كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة وكانت اليهودية في نمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة وكانت المجوسية في بني تميم منـهم زرارة ابن عدي وابنـه على وكان تزوج ابنته ثم ندم ومنـهم الأقرع بن حابس كان مجوسيا وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الجزيرة وكانت بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنما من حيس فعبدوه دهرا طويلا ثم أدركتهم مجاعة فأكلوه وقد قيل إن أول من غير
الحنيفية عمرو بن لحي أبو خزاعة وهو أنـه رحل الى الشام فرأى العماليق يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك فقال ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونـها ؟ قالوا هذه أصنام فتمطرنا فتمطرن ونستنصرها فتنصرنا فقال أعطوني منـها صنما أسير بـه إلى أرض العرب فيعبدونـه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم بـه مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمـه وقيل إن أول ما كانت عبادة الأحجار في بني إسماعيل وسبب ذلك أنـه كان لا يظعن من مكة ظاعن منـهم حتى ضاقت عليهم وتفرقوا في البلاد وما من أحد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا بـه كطوافهم بالكعبة وأفضى ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحسنوه من الحجاره ثم خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه من دين إسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلال وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل وأيضا اتخذوا أسافا ونائلة على موضع زمزم فينحرون عندها ويطعمون وكان أساف ونائلة رجلا وامرأة فوقع أساف على نائلة في الكعبة فيمسخهما الله حجرين واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونـه فإذا أراد الرجل سفرا تمسح بـه حين يركب وكان ذلك آخر ما يصنع إذا توجه إلى سفره وإذا قدم من سفره بدأ بـه قبل أن يدخل إلى أهله واتخذت العرب الأصنام وانـهمكوا على عبادتها وكانت لقريش وبني كنانة العزى وكان حجابها بني شيبة وكانت اللات لثقيف بالطائف وكان حجابها بني مغيث من ثقيف وكانت مناة للأوس والخزرج من دان بدينـهم وأما يغوث ويعوق ونسر فقيل إنـهم كانوا أسماء أولاد آدم عليه الصلاة و السلام وكانوا أتقياء عبادا فمات أحدهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان وحسن لهم أن يصوروا صورته في قبلة مسجدهم ليذكروه إذا أنظروه فكرهوا ذلك فقال اجعلوه في مؤخر المسجد ففعلوا وصوره من صفر ورصاص ثم مات آخر ففعلوا ذلك الى ان ماتوا كلهم فصورهم هناك وأقام من بعدهم على ذلك الى ان تركوا الدين وحسن لهم الشيطان عبادة شئ غير الله فقالوا له من نعبد ؟ قال آلهتكم المصورة في
مصلاكم فعبدوها الى أن بعث الله نوحا عليه الصلاة و السلام فنـهاهم عن عبادتها فقالوا كما أخبر الله عنـهم ( لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ) الآية ولما عم الطوفان الأرض طمـها وعلا عليها التراب زمانا طويلا فأخرجها الشيطان لمشركي العرب فعبدوها وذكر الواحدي في الوسيط أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فسول الشيطان لقومـهم بعد موتهم أن يصوروا صورهم ليكون أنشط وأشوق للعبادة كلما رأوهم ففعلوا ثم نشأ بعدهم قوم جهال بالأحوال فحسن لهم عبادتها وأن من سبقهم من قومـهم عبدوها فسموها بأسمائهم وقال الواقدي كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر والله تعالى اعلم أي ذلك كان
ذكر أوابدهم الرتم شجر معروف كانت العرب اذا خرج أحدهم الى سفر عمد الى شجرة منـه فيقعد غصنا منـها فاذا عاد من سفره ووجده قد انحل قال قد خانتني امرأتي وان وجده على حالته قال لم تخني الرئمية ناقة كانت العرب اذا مات واحد منـهم عقلوا ناقته عند قبره وسدوا عينيها حتى تموت يزعمون أنـه إذا بعث من قبره ركبها التعمية والتفقئة كان الرجل اذا بلغت إبله ألفا قلع عين الفحل يقولون ان ذلك يدفع عنـها العين فاذا ازدادت على الألف فقأ عينـه الأخرى العرداء يصيب الابل شبه الجرب كانوا يكوون السليمة ويزعمون ان ذلك بيرئ داء من العر ضرب الثور عن البقر كانت البقر اذا امتنعت عن الشرب ضربوا الثور يزعمون أن الجن يركبون الثيران فيصدون البقر عن الشرب الهامة كانوا يزعمون أن الانسان اذا قتل ولم يؤخذ بثأره يخرج من رأسه طائر يسمى الهامة وهو كالبومة فلا يزال يصيح على قبره اسفوني الى ان يؤخذ بثأره
وكان للعرب مذاهب في الجاهليه في النفس وتنازع في كيفياتها فمنـهم من زعم أن النفس هي الدم وأن الروح الهواء الذي في باطن جسم الانسان الذي منـه نفسه وقالوا ان الميت لا يوجد فيه الدم وانما يوجد في الحياة مع الحرارة والرطوبة لأن كل حي فيه حرارة ورطوبة فإذا مات ذهبت حرارته وحل بـه اليبس والبرودة وطائفة منـهم يزعمون ان النفس طائر ينشط من جسم الانسان اذا مات أو قتل ولا يزال متصورات في صورة الطائر يصرخ على قبره مستوحشا له وفي ذلك يقول بعضهم
( سلط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام ) ثم جاء الاسلام والعرب ترى صحة أمر الهام حتى قال النبي ( لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هام ) وزعموا ان هذا الطائر يكون صغيرا ويكبر حتى يصير كضرب من البوم ويتوحش ويصرخ ويوجد في الديار المعطلة والنواويس ومصارع القتلى ويزعمون ان الهامة لا تزال عند ولد الميت لتعلم ما يكون من خبره فتخبر الميت والصفر زعموا ان الإنسان إذا جاع عض على شرسوفه الصفر وهي حية تكون في البطن تثنية الضربة زعموا ان الحية تموت في أول ضربة فإذا تثنيت عاشت
الغيلان والتغول للعرب في الغيلان والتغول أخبار وأقاويل يزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات في أنواع الصور فيخاطبونـها وتخاطبهم وزعمت طائفة من الناس أن الغول حيوان مشؤوم وأنـه خرج منفردا لم يستأنس وتوحش وطلب القفار وهو يشبه الانسان والبهيمة ويتراءى لبعض السفار في اوقات الخلوات وفي الليل وحكي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنـه رآه في سفره الى الشام فضربه بالسيف وقال الجاحظ الغول كل شئ يتعرض للسيارة ويتلون في ضروب من الصور والثياب وفيه خلاف وقالوا إنـه ذكر
وأنثى الا أن أكثر كلامـهم أنـه أنثى وأما القطرب في قولهم فهو نوع من الأشخاص المتشيطنة يعرف بهذا الاسم فيظهر في أكناف اليمن وصعيد مصر في أعاليه وربما أنـه يلحق الانسان فينكحه فيدود دبره فيموت وربما نذا على الانسان وأمسكه فيقول أهل تلك النواحي التي ذكرناها أمنكوح هو أو مذعور ؟ فان كان قد نكحه أيسوا منـه وإن كان قد ذعر سكن روعه وشجع قلبه واذا رآه الانسان وقع مغشيا عليه ومنـهم من يظهر له فلا يكترث بـه لشـهامته وثبات قلبه
ذكر الهواتف أما الهواتف فقد كانت كثرت في العرب وكان أكثرها أيام ولد سيدنا رسول الله وان من حكم الهواتف ان تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي
ومن عجيب ما حكي من امر الهواتف ما حكاه ابو عمرو بن العلاء قال خرجنا حجاجا فصاحبنا رجل وجعل يقول في طريقه ليت شعري هل بغت علي فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق فأجابه صوت في الظلام نعم نعم وناكها حجيه وهو رجل احمر ضخم في قفاه كيه فسكت الرجل فلما سرنا إلى البصرة أخبرنا ذلك الرجل قال دخل جيراني يسلمون علي فإذا فيهم رجل أحمر ضخم في قفاه كيه فقلت لأهلي من هذا ؟ قالت رجل كان ألطف جيراننا بنا فجزاه الله خيرا فسألتها عن اسمـه فقالت حجية فقلت الحقي بأهلك وأما بكاء المقتول فكانت النساء لا يبكين المقتول حتى يؤخذ بثأره فاذا أخذ بثأره بكينـه وأما رمي السن فكانوا يزعمون أن الغلام اذا ثغر فرمى سنـه في عين المس بسبابته وإبهامـه وقال أبدليني بأحسن منـها فإنـه يأمن من على أسنانـه العوج والفلج
وما خضاب النحر فكانوا اذا أرسلوا الخيل على الصيد فسبق واحد منـها خضبوا صدره بدم الصيد علامة وأما نصب الراية فكانت العرب تنصب الرايات على أبواب بيوتها لتعرف بها وأما جز النواصي فكانوا اذا أسروا رجلا ومنوا عليه وأطلقوه جزوا ناصيته
وأما الالتفات فكانوا يزعمون ان من خرج في سفر والتفت وراءه لم يتم سفره فان التفت تطيروا له وكانوا يقولون من علق عليه كعب الأرنب لم تصبه عين ولا سحر وذلك أن الجن تهرب من الأرانب لأنـها تحيض وليست من مطايا الجن ويزعمون أن المرأة إذا أحبت رجلا وأحبها ثم لم يشق عليها رداءه وتشق عليه برقعها فسد حبهما ويزعمون أن الرجل اذا قدم قرية فخاف وباءها فوقف على بابها قبل ان يدخلها ونـهق كما تنـهق الحمير لم يصبه وباؤها ويزعمون ان الحرقوص وهو دويبة أكبر من البرغوث تدخل في فروج الأبكار فتفتضهن ويزعمون ان الرجل إذا ضل فقلب ثيابه اهتدى وكانوا يزعمون ان الناقة اذا نفرت وذكر اسم أمـها فإنـها تسكن وكانت لهم خرزة يزعمون ان العاشق اذا حكها وشرب ما يخرج منـها صبر وتسمى السلوان ونكاح المقت من سنتهم وهو ان الرجل اذا مات قام ولده الاكبر فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها فإن لم يكن له بها حاجة زوجها لبعض أخوته بمـهر جديد فكانوا يرثون النكاح كما يرثون المال ولهم حكايات عجيبة وأحوال غريبة والله تعالى اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
الباب الستون في الكهنانة والقيافة والزجر والعرافة والفأل والفراسة والنوم والرؤية وما أشبه ذلك
اما الكهانة فكانت فاشية في الجاهلية حتى جاء الاسلام فلم يسمع فيه بكاهن وكان ذلك من معجزات النبوة وآياتها وللكهنة أخبار فمنـهم سطيح ورد عليه عبد المسيح وهو يعالج الموت وأخبره على ما يزعمون بما جاء لأجله وذلك أن الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجله وانتشرت في بلادها فلما أصبح أعلم كسرى بذلك فتصبر كسرى تشجعا ثم رأى ان لا يكتم ذلك عن وزرائه ورؤساء مملكته فلبس ناجه وقعد على سريره وجمع وزراءه ورؤساء مملكته فأخبرهم بالخبر فبينما هم كذلك اذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران وارتجاس الايوان فازدادوا غما على غمـهم فكتب كسرى كتابا الى النعمان بن المنذر اما بعد فوجه الى رجلا عالما بما أريد ان أسأله عنـه فوجه اليه عبد المسح الغساني فقال له كسرى أعندك علم بما أريد ان أسألك عنـه ؟ قال ليخبرني الملك فان كان عندي علم منـه والا أخبرته بمن يعلمـه بـه فأخبره بما رآه الموبذان فقال علم ذلك عند كاهن يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك وائتني بالجواب فركب عبد المسيح وتوجه الى سطيح فوجده قد اشرف على الضريح فسلم عليه وحياه ولم يخبر عبد المسيح بما جاء بسببه غير أنـه
أنشده شعرا يذكر فيه أنـه جاء برسالة من قبل ملك العجم ولم يذكر له السبب فرفع رأسه وقال عبد المسيح على جمل يسيح الى سطيح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح اذا كثرت التلاوة وفاض وادي سماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما ولا العجم لعبد المسيح مقاما يرتفع امر العرب وأظن ان وقت ولادة محمد قد اقترب يملك منـهم ملوكا وملكات بعدد الشرافات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانـه فثار عبد المسيح الى راحلته وعاد فأخبر كسرى بذلك
وحكي أن ربيعه ين مضر اللخمي رأى مناما هاله فأراد تفسيره فقال له أهل مملكته ما يفسره لك الاشق وسطيح فأحضرهما وقال لسطيح اني رأيت مناما هالني فان عرفته فقد أصبحت تفسيره فقال رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نـهمة فأكل منـها كل ذات جمجمة فقال له الملك ما أخطأت شيئا ما تفسره قال ليهبطن بأرضك الحبش وتملك ما بين أبين إلى جرش فقال الملك ان هذا لغائط موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده ؟ قال بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين تمضي من السنين ثم يقتتلون بها أجمعين ويخرجون منـها هاربين قال ومن ذا الذي يملك بعدهم ؟ قال أراه ذا يزن يخرج عليهم من عدن فما يترك منـهم أحدا باليمن قال الملك فيدوم ذلك أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من العلى قال وممن يكون هذا النبي ؟ قال من ولد عدنان بن فهر بن مالك بن النضر يكون في قومـه الملك إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى المسيئون قال أو حق ما تخبر قال والشفق والقمر إذا اتسق ان ما أنبأتك بـه لحق ثم دعا بشق فقال مثل ما قال سطيح ومن ذلك ما حكي أن أمية بن عبد شمس دعا هاشم بن عبد مناف إلى المفاخرة فقال له هاشم أفاخرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة فرضي أمية بذلك وجعل بينـهم الخزاعي الكاهن حكما فخبؤا إليه شيئا وخرجا إليه ومعهما جماعة
من قومـهما فقالوا قد خبأنا لك خبيا فان علمته تحاكمنا إليك وان لم تعلمـه تحاكمنا إلى غيرك فقال لقد خبأتم لي كيت وكيت قالوا صدقت أحكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس أيهما أشرف بيتا ونسبا فقال والقمر الباهر والكوكب الزاهر والغمام الماطر وما بالجو طائر وما اهتدى بعلم مسافر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ولأمية أواخر فأخذ هاشم الابل ونحرها وأطعهما من حضر وخرج أمية إلى الشام وأقام بها عشر سنين ويقال إنـها أول عداوة وقعت بين بني هاشم وبني أمية
وحكي أن هند بنت عتبة بن ربيعة كانت تحت الفاكه بن المغبرة وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت ضيافة خارجا عن البيوت تغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم واضطجع فيه هو وهند ثم نـهض لحاجة فأقبل رجل ممن كن يغشى البيت فولجه فلما رأى هندا رجع هاربا فلما نظره الفاكه دخل عليها فضربها برجله وقال لها من هذا الذي خرج من عندك ؟ قالت ما رأيت أحدا قط وما انتبهت حتى أنبهتني قال فأردجعي إلى بيت أبيك وتكلم الناس فيها فقال أبوها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك الكلام فان يكن الرجل صادقا دسيت عليه من يقتله لينقطع كلام الناس وان يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن فقالت له لا والله ما هو علي بصادق فقال له يا فاكه انك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جمعة من بني مخزوم وخرج أبوها في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة فلما شارفوا البلاد قالوا غدا نرد على هذا الرجل فتغيرت حالة هند فقال لها أبوها اني أرى حالك قد تغير وما هذا إلا لمكروه عندك فقالت لا والله ولكن أعرف انكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنـه أن يسمني بسيما تكون علي سبة فقال لها لا تخشي فسوف أختبره فصفر لفرسه حتى أدلى ثم أدخل في احليله حبة حنطة وربطه فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمـهم ونحر لهم فلما تغدوا
له عتبة قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئة نختبرك بها قال خبأتم لي تمرة في كمدة قال اني أريد أن أبين من هذا قال حبة بر في أحليل مـهر قال فانظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يأتي إلى كل واحدة منـهن ويضرب بيده على كتفها ويقول لها انـهضي حتى بلغ هندا فقال انـهضي غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكا اسمـه معاوية فنـهض اليها الفاكه فأخذ بيدها فجذبت يدها من يده وقالت اليك عني فوالله اني لأحرص أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان فولدت منـه أمير المؤمنين معاوية رضي الله تعالى عنـه
وأما القيافة فهي على ضربين قيافة البشر وقيافة الاثر فأما قيافة الشر فالاستدلال بصفات أعضاء الانسان وتختص بقوم من العرب يقال لهم بنو مدلج يعرض على أحدهم مولود في عشرين نفرا فيلحقه بأحدهم
وحكي عن بعض أبناء التجار أنـه كان في بعض أسفاره راكبا على بعيره يقوده غلام أسود فمر بهؤلاء القبيلة فنظر إليه واحد منـهم وقال ما أشبه الركب بالقائد قال ولد التاجر فوقع في نفسي من ذلك شيء فلما رجعت إلى أمي ذكرت لها القصة فقالت يا ولدي ان أباك كان شيخا كبيرا ذا مال وليس له ولد فخشيت أن يفوتنا ما له فمكنت هذا الغلام من نفسي فحملت بك ولولا أن هذا شيء ستعلمـه غدا في الدار الآخرة لما أعلمتك بـه في الدنيا وأما قيافة الأثر فالاستدلال بالاقدام والحوافر والخفاف وقد اختص بـه قوم من العرب أرضهم ذات رمل إذا هرب منـهم هارب أو دخل عليهم سارق تتبعوا آثار قدمـه حتى يظفروا بـه ومن العجب أنـهم يعرفون قدم الشاب من الشيخ والمرأة من الرجل والبكر من الثيب والغريب من المستوطن ويذكر أن في قطبة وثغر البرلس أقواما بهذه الصفة وقد وقعت من قريش حين خرج النبي وأبو بكر إلى الغار على صخر صلد وأحجار صم ولا طين ولا تراب تبين فيه الأقدام
فحجبهم الله تعالى عن نبيه بما كان من نسيج العنكبوت وما لحق القائف من الحيرة وقوله إلى ههنا انتهت الاقدام هذا ومعهم الجماعة من قريش أبصارهم سليمة ولولا أن هناك لطيفة لا يتساوى الانسان فيها يعني في علمـها لما استأثر بعلم ذلك طائفة دون أخرى وقيل القيافة لبني مدلج في أحياء مضر واختلف رجلان من القافة في أمر بعير وهما بين مكة ومنى فقال أحدهما هو جمل وقال الآخر هي ناقة وقصدا يتبعان الاثر حتى دخلا شعب بني عامر فاذا بعير واقف فقال أحدهما لصاحبه أهو ذا ؟ قال نعم فوجداه خنثى فأصابا جميعا ومنـهم من كان يخط الرمل في الأرض ويقول فيوافق قوله ما يأتي بعد وقال رجل شردت لي ابل فجئت إلى خراش فسألته عنـها فأمر بنته أن تخط لي في الأرض فخطت ثم قامت فضحك خراش ثم قال أتدري قيامـها لأي شيء ؟ قلت لا قال قد علمت أنك تجد ابلك وتتزوجها فاستحيت ثم خرجت فوجدت ابلي ثم تزوجتها وخرج عمرو بن عبد الله بن معمر ومعه مالك بن خراش الخزاعي غازيين فمرا بامرأة وهي تخط للناس في الأرض فضحك منـها مالك هزوا وقال ما هذا ؟ فقالت أما والله لا تخرجي من سجستان حتى تموت وينزوج عمرو هذا زوجتك فكان كما ذكرت
وأما الزجر والعرافة فاحسنـه ما روي إن كسرى أبرويز بعث إلى النبي حين بعث زاجرا ومصورا فقال للزاجر أنظر ما ترى في طريقك وعنده وقال للمصور أئتني بصورته فلما عاد إليه أعطاه المصور صورته فوضعها كسرى على وسادته ثم قال للزاجر ماذا رأيت ؟ قال ما رأيت ما أزجر بـه إلا أنـه سيعلوا أمره عليك لأنك وضعت صورته على وسادتك
وبعث صاحب الروم إلى النبي رسولا وقال له انظر إليه ومل إلى جانبه وأنظر إلى ما بين كتفيه حتى ترى الخاتم والشامة فقدم الرسول فرأى النبي على نشز عال واضعا قدميه في الماء وعن يمينـه علي رضي الله عنـه فلما رآه رسول الله قال له تحول فانظر ما أمرت بـه فنظر
فلما رجع إلى صاحبه أخبره الخبر فقال ليعلون أمره وليملكن ما تحت قدمي فتفاءل بالنشز العلو وبالماء الحياة وقال المدايني وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان حين أتاها فخرج هاربا ونزل بقرية من قرى الصعيد فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك بن مروان فقال للرسول ما اسمك ؟ قال طالب بن مدرك فقال أواه ما أظن أني أرجع إلى الفسطاط فمات ولم يرجع وكانت نائلة بنت عمار الكلبي تحت معاوية فقال لفاختة بنت قرظة اذهبي فانظري إليها فذهبت ونظرت فقالت ما رأيت مثلها ولكني رأيت تحت سرتها خالا ليوضعن معه رأس زوجها في حجرها فطلقها معاوية وتزوجها بعده رجلان حبيب ابن مسلمة والنعمان بن بشير فقتل أحدهما ووضع رأسه في حجرها وبينما مروان بن محمد جالس في ايوانـه يتفقد الأمور إذ تصدعت زجاجة من الايوان فوقعت منـها الشمس على منكب مروان وكان هناك عراف وقيل قياف فقام فتبعه ثوبان مولى مروان فسأله فقال صدع الزجاج صدع السلطان ستذهب الشمس بملك مروان بقوم من الترك أو خراسان ذلك عندي واضح البرهان فما مضى غير شـهرين حتى مضى ملك مروان
وروى المدايني أن عليا رضي الله عنـه بعث معقلا في ثلاثة آلاف ليقيم بالرقة وذلك في وقعة صفين فسار حتى نزل الحديبية فبينما هو ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان فجاء رجلان فأخذ كل واحد منـهما كبشا فذهب بـه فقال شداد بن أبي ربيعة الخثعمي الزاجر إنكم لتصرفون من موجهكم هذا لا تغلبون ولا تغلبون أما ترى الكبشين كيف انتطحا حتى حجز بينـهما فتفرقا ولا فضل لأحدهما على الآخر
وحكي ان الاسكندر ملك بعض البلاد فدخل فيها فوجد امرأة تنسج ثوبا فلما رأته قالت له أيها الملك قد أعطيت ملكا ذا طول وعرض ثم دخل عليها بعد ذلك فقالت ستعزل من الملك قال فغضب عند ذلك فقالت له لا تغضب فانك في المرة الأولى دخلت علي والشقة بيدي أدير طولها وعرضها ودخلت علي الآن والشقة في يدي أريد قطعها لأني
قد فرغت من نسجها فلا تغضب فان النفوس تعلم أشياء بعلامات قال الراوي فكان كذلك
وحكي أن سيف بن ذي يزن لما استنجد كسرى على قتال الحبشة بعث إليه بجيش عظيم فخرج اليهم ملك الحبشة وهو مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وكان بين عينيه ياقوتة حمراء بعلاقة من الذهب على تاجه تضيء كالنور وهو على فيل عظيم قال وكان في عسكر ذي يزن رجل يقال له زهير فتأمل ذلك منـه ثم قال لأميره اصبر لتنظر ما يكون من أمره فقال فتحول مسروق من الفيل إلى جمل فقال أصبر فتحول بعد ذلك إلى فرس ثم إلى بغل ثم إلى حمار وكأنـه أنف من مقاتلتهم على شيء من ذلك الا على حمار لما أنـه استصغرهم وأستحقرهم وتفرس ذلك الرجل فيه من الانتقال من أعلى إلى أدنى وقال أحملوا عليهم فإن ملكهم قد ذهب فإنـه انتقل من كبير إلى صغير فحملوا عليهم فكسروهم وقتل الملك
وحكي أنـه كان عراف من الطرقيين ببغداد يخبر بما يسئل عنـه فلم يخطئ فسأله رجل عن شخص محبوس هل ينطلق قال نعم ويخلع عليه قال فقلت له بأي شيء عرفت ذلك ؟ فقال إنك لما سألتني التفت يمينا وشمالا فوجدت رجلا على ظهره قربة ماء ففرغها ثم حملها على كتفه فأولت الماء بالمحبوس وتفريق بالانطلاق ووضعها على كتفه بالخلعة قال وكان الأمر كذلك
وأما الفأل فقد روي أن النبي كان يحب الفأل الصالح والاسم الحسن وروي أنـه لما نزل المدينة على كلثوم دعا غلامين له يا بشار ويا سالم فقال لأبي بكر رضي الله تعالى عنـه أبشر يا أبا بكر فقد سلمت لنا الدار وقال الأصمعي سألت ابن عون عن الفأل فقال هو أن يكون مريض فيسمع يا سالم أو طالب حاجة فيسمع يا واجد وما أشبه ذلك
وأما الطيرة فقد كن يحب الفال ويكره الطيرة وقيل ذكرت الطيرة عند رسول الله فقال من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وعنـه أنـه قال ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له وعن ابن عباس رضي الله عنـهما ( رفعه ) من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر وعن أبي هريرة رضي الله عنـه من أتى كاهنا فصدقه فيما يقول أو أتى امرأته حائضا في دبرها فقد برئ مما نزل على محمد وأنشد المبرد هذه الأبيات يقول
( لا يعلم المرء ليلا ما يصبحه ... الا كواذب ما يجري بـه الفال )
( والفال والزجر والكهان كلهم ... مضللون ودون الغيب اقفال ) وقال لبيد
( لعمري ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرت الطير ما الله صانع ) وقال آخر
( تعلم أنـه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور )
( بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير ) وكانت العرب تتطير بأشياء كثيرة منـها العطاس وسبب تطيرهم منـه ان دابة يقال لها العاطوس كانوا يكرهونـها وكانوا إذا ارادوا سفر خرجوا من الغلس والطير في أوكارها على الشجر فيطيرونـها فإن أخذت
أخذوا يمينا وإن أخذوا شمالا أخذوا شمالا ومنـه قوله امرئ القيس
( وقد اغتدى والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل )
( مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من على ) والعرب أعظم ما يتطيرون منـه الغراب فالقول فيه أكثر من أن يطلب عليه شاهد ويسمونـه حاتما لأنـه يحتم عندهم بالفراق ويسمونـه الأعور على جهة التطير بصرا وفيه يقول بعضهم
( إذا ما غراب البين صالح فقل بـه ... ترفق رماك الله يا طير بالبعد )
( لأنت على العشاق أقبح منظر ... وأبشع في الابصار من رؤية اللحد )
( تصيح ببين ثم تعثر ماشيا ... وتبرز في ثوب من الحزن مسود )
( متى صحت صح البين وانقطع الرجا ... كأنك من يوم الفراق على وعد ) وأعرض بعضهم عن الغراب وتطير بالإبل وسبب ذلك لكونـها تحمل أثقال من ارتحل وفي ذلك قال بعضهم مفردا أجاد
( زعموا بأن مطيهم سبب النوى ... والمؤذنات بفرقة الأحباب ) وقالوا من تطير من شيء وقع فيه
وحكي عن ابراهيم بن المـهدي قال أرسل إلي محمد بن زبيدة في ليلة من ليالي الصيف مقمرة يقول يا عم إني مشتاق إليك فاحضر الآن عندنا فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن أبي جعفر وجاريته نعيم فقال لها غنينا شيئا فقد سررت بعمومتي فغنت وهي تقول هذه الأبيات
( همو قتلوه كي يكونوا مكانـه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه )
( بني هاشم كيف التواصل بيننا ... وحبند أخيه سيفه ونجائبه )
قال فغضب وتطير وقال لها ما قصتك ويحك انتبهي وغني ما يسرني فغنت تقول
( كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأكثر حزما منك ضرج بالدم ) فقال لها ويحك ما هذا الغناء في هذه الليلة غني غيره فغنت تقول هذه الأبيات
( ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء )
( تبكي فراقهم عيني فأرقها ... إن التفرق للمشتاق بكاء ) قال فانتهرها وقال لها قومي إلى لعنة الله فقالت والله يا مولاي لم يجر على لساني غير هذا وما ظننت إلا أنك تحبه ثم إنـها قامت من بين يديه وكان بين يديه قدح بلور وكان أبوه يحبه فأصابه طرف ردائها فانكسر قال إبراهيم بن المـهدي فالتفت إلي وقال يا عمي أرى أن هذا آخر أمرنا فقلت كلا بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك فسمعت هاتفا يقول قضي الأمر الذي فيه تستفيان فقال لي أسمعت ما سمعت يا عم ؟ فقلت ما سمعت شيئا وما هذا إلا توهم فإذا الصوت قد علا فقال يا عم إذهب إلى بيتك فمحال أن يكون بعد هذا اجتماع قال فانصرفت من عنده وكان هذا آخر عهدي بـه وخرج أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل فلما أراد ال إليها اندق لواؤه في أول درب منـها فتطير لذلك فأنشده أبو الشمقمق يقول
( ما كان مندق اللواء لريبة ... تخشى ولا أمر يكون مبذلا )
( لكن هذا الرمح ضعف متنـه ... صغر الولاية فاستقل الموصلا ) فسر خالد وأمر لأبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم ودخل الحجاج الكوفة متوجها إلى عبد الملك فصعد المنبر فانكسر تحت قدمـه فعلم أنـهم قد تطيروا له بذلك فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله تعالى فقال شاهت الوجوه وتبت الأيدي ويؤتم بغضب من الله إذا انكسر عود جذع ضعيف
تحت قدم أسد شديد تفاءلتم بالشؤم وإني على أعداء الله تعالى لأنكد من الغراب الأبقع وأشأم من يوم نحس مستمر وإني لاعجب من لوط وقوله لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد فأي ركن أشد من الله تعالى أو ما علمتم ما أنا عليه من التوجه إلى أمير المؤمنين وقد وليت عليكم أخي محمد بن يوسف وأمرته بخلاف ما أمر بـه رسول الله معاذا في أهل اليمن فانـه أمره أن يحسن إلى محسنـهم ويتجاوز عن مسيئهم وقد أمرته أن يسيء إلى محسنكم وأن لا يتجاوز عن مسيئكم وأنا أعلم أنكم تقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة وأنا معجل لكم الجواب لا أحسن الله عليكم الخلافة أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وخرج بعض ملوك الفرس إلى الصيد فأول من استقبله أعور فضربه وأمر بحبسه ثم ذهب للصيد فاصطاد صيدا كثيرا فلما عاد استدعى بالأعور فأمر له بمال فقال لا حاجة لي بـه ولكن ائذن لي في الكلام فقال تكلم فقال أيها الملك إنك تلقيتني فضربتني وحبستني وتلقيتك فصدت وسلمت فأينا أشأم صباحا على صاحبه ؟ فضحك منـه وأمر له بصلة
وحكي أيضا إن صاحب قرطبة أصابه وجع فأمر بعض جواريه أن تغنيه ليلهو عن وجعه فقالت
( هذي الليالي علمنا أن ستطوينا ... فشعشعينا بماء المزن واسقينا ) قال فتطير من ذلك وأمرها بالانصراف ولم يقم بعد ذلك غير خمسة أيام ومات
وحكي أن نور الدين محمودا وهمام الدين ركبا في يوم عيد وخرجا للتفرج فتجاولا في الكلام ثم قال محمودا يا من درى هل نعيش إلى مثل هذا اليوم ؟ فقال له همام الدين قل هل نعيش إلى آخر هذا الشـهر فإن العام كثير قال فاجرى الله على منطقهما ما كان مقدرا في الأزل فمات أحدهما قبل تمام الشـهر ومات الآخر قبل تمام العام
وأما الفراسة فقد قال الله تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) وقال رسول الله " اتقوا فراسة المؤمن فانـه ينظر بنور الله " وقال علي رضي الله تعالى عنـه ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانـه وصفحات وجهه وقيل أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنـهما على علي رضي الله تعالى عنـه بشيء فلم يعمل بـه ثم ندم فقال يرحم الله ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق
وحكى أبو سعيد الخراز أنـه كان في الحرم فقير ليس عليه إلا ما يستر عورته فانفت نفسي منـه فتفرس ذلك مني فقرأ ( وأعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذوره ) فندمت واستغفرت الله في قلبي فتفرس ذلك أيضا فقرأ ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده )
وحكي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنـهما رأ يا رجلا فقال أحدهما إنـه نجار وقال الآخر أنـه حداد فسأله عن صنعته فقال كنت حدادا وأنا الآن نجار
وحكي ان شخصا من أهل القرآن سأل بعض العلماء مسألة فقال له إجلس فإني أشم من كلامك رائحة الكفر فاتفق بعد ذلك أنـه سافر السائل فوصل إلى القسطنطينية فدخل في دين النصرانية قال من رآه ولقد رأيته متكئا على دكة وبيده مروحة يروح بها عليه فقلت السلام عليكم يا فلان فسلم علي وتعارفنا ثم قلت له بعد ذلك هل القرآن باق على حاله أم لا ؟ فقال له لا أذكر منـه إلا آية واحدة وهي قوله تعالى ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال فبكيت عليه وتركته وانصرفت وكان الحسن ابن السقاء من موالي بني سليم ولم يكن
في الأرض أحزر منـه كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطئ وكان حذره للمكيول والموزون والمعدود سواء كان يقول في هذه الرمانة كذا وكذا حبة وزنتها كذا وكذا ويأخذ العود الآس فيقول فيه كذا وكذا ورقة فلا يخطئ وقالوا إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول لشيء ما عند الله خير وأبقى فاعلم إن جواره وليمة ولم يدع إليها وإذا رأيت قوما يخرجون من عند قاض وهم يقولون ا شـهدنا إلا بما علمنا فاعلم أن شـهادتهم لم تقبل وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء على أهله كيف ما تقدمت عليه ؟ فقال الصلاح خير من كل شيء فاعلم أن امرأته قبيحة وإذا رأيت إنسانا يمشي ويلتفت فاعلم أنـه يريد أن يحدث وإذا رأيت فقيرا يعدو ويهرول فاعلم أنـه في حاجة غني وإذا رأيت رجلا خارجا من عند الوالي وهو يقول يد لله فوق أيديهم فاعلم أنـه صفع ويقال عين المرء عنوان قلبه وكانوا يقولون عظم الجبين يدل على البله وعرضه يدل على قلة العقل وصغره يدل على لطف الحركة وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد والعين المتوسطة في حجمـها دليل الفطنة وحسن الخلق والمروءة والتي يطول تحديقها يدل على السمع والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان وكانت الفرس إذ تقول فشا الموت في الوحوش دل على ضيقه وإذا فشا في الفأر دل على الخصب وإذا نعق غراب فجاوبته دجاجة عمر الخراب وإذا قوقت دجاجة فجاوبها غراب خرب العمار والله أعلم بكل شيء عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد أو عنده مفاتح الغيب لا يعلما إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمـها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين
وأما النوم والسهر وما جاء فيهما فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنـهما عن الرسول أنـه قال " أشراف أتي حملة القرآن وأصحاب الليل وروي أن أم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قالت يا بني لا تكثر النوم بالليل
فان صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا وكان زمعة بن صالح ليلا طويلا فإذا أسحر نادى أهله
( يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا ) فيتواثبون بين باك وداع ومتضرع فإذا أصبح نادى عند الصباح يحمد القوم السرى ( وأنشدوا )
( يا أيها الراقد كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد )
( وخذ من الليل وساعاته ... حظا إذا ما هجع الرقد )
( من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد )
( قل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة الحشر لكم موعد ) وقيل أن نومة الضحى تورث الغم والخوف ونومة العصر تورث الجنون وأنشد بعضهم
( إلا إن نومات الضحى تورث الفتى ... غموما ونومات العصير جنون ) وعن العباس بن عبد المطلب أنـه مر يوما بابنـه وهو نائم نومةالضحى فوكزه برجله وقال له قم لا أنام الله عينك أتنام في ساعة يقسم الله تعالى فيها الرزق بين العبد ؟ أو ما سمعت ما قالت العرب أنـها مكسلة مـهزلة منسية للحاجة والنوم على ثلاثة أنواع نومة الخرق ونومة الخلق ونومة الحمق فنومة الخرق نومة الضحى ونومة الخلق هي التي أمر النبي بها أمته فقال قيلوا فان الشيطان لا تقيل ونومة الحمق النومة بعد العصر لا ينامـها إلا سكران أو مجنون وكان هشام بن عبد الملك يقول لولده لا تصطبح بالنوم فانـه شؤم ونكد وقال الثوري لطبيب دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني فقال ادهن رأسك وأكثر من ذلك واتق الله وكان طاوس يقول لأن تختلف السياط على ظهري أحب إلي من أن أنام يوم الجمعة والإمام يخطب وكان شداد بن أوس يتلوى على فراشـه كالحبة على المقلى ويقول اللهم إن النار منعتني النوم وأنشدوا في المعنى
( غيرت موضع مرقدي ... يوما ففارقني السكون )
( قل لي فأول ليلتي ... في حفرتي أني أكون ) وأنشد أبو دلف
( أمالكتي ردي علي رقاديا ... ونومي فقد شردته عن وساديا )
( أما تتقين الله في قتل عاشق ... أمت الكرى عنـه فأحيا اللياليا ) وأنشد أبو غانم الثقفي
( رقدت رقاد الهيم حتى لو أنني ... يكون رقادي مغنما لغنيت ) فقيل لمن هذا ؟ فقال لرقاد من رقاد العرب وقيل ان نوم عبود يضرب بـه المثل وكان عبود هذا عبدا أسود قيل إنـه نام اسبوعا وقل إنـه تماوت على أهله وقال اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا أنا مت فسجى ونام وندب فإذا هو قد مات
وأما الرؤيا فقد قيل فيها أقاويل وهو أنـهم قالوا أن النوم هو اجتماع الدم وانحداره إلى الكبد ومنـهم من رأى ان ذلك هو سكون النفس وهدوء الروح ومنـهم من زعم ان مايجده الانسان في نومـه من الخواطر انما هو من الأطعمة والأغذية والطبائع وذهب جمـهور الأطباء إلى أن الأحلام من الأخلاط وان ذلك بقدر مزاج كل واحد منـها وقوته فالذي يغلب عليه الصفراء يرى بحورا وعيونا ومياها كثيرة ويرى أنـه يسبح ويصيد سمكا ومن غلبت على مزاجه السوداء رأى في منامـه أجداثا وأمواتا مكفنين بسواد وبكاء وأشياء مفزعة ومن غلب على مزاجه الدم رأى الخمر والرياحين وأنواع الملاهي والثياب المصبغة والذي يقع عليه التحقيق ان الرؤيا الصالحة كما قد جاء جزء من ستين جزء من النبوة وكان النبي أول ما بدئ بـه من الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق
الصبح والرؤيا على ضربين فمنـهم من يرى رؤيا فتجيء على حالها لا تزيد ولا تنقص ومنـهم من يرى الرؤيا في صورة مثل ضرب له
فمن ذلك ما حكي أن النبي رأى في الجنة غرفا فقال لمن هذه ؟ فقيل أبي جهل بن هشام فقال ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبدا قال فأتاه عكرمة ولده مسلما فتأولها بـه وكذلك تأول في قتل الحسين لما رأى أن كلبا أبقع يلغ في دمـه وكان ذلك بعد رؤياه عليه الصلاة و السلام بخمسين عاما وكذلك حين قال بأبي بكر رضي الله تعالى عنـه اني رأيت كأني رقيت أنا وأنت درجا في الجنة فسبقتك بدرجتين ونصف فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنـه يا رسول الله أقبض بعدك بسنتين ونصف ورأت عائشة رضي الله تعالى عنـها سقوط ثلاثة أقمار في حجرتها فأولها أبوها بموته وموت النبي وموت عمر رضي الله تعالى عنـهما ودفنـهم في حجرتها فكان الأمر كذلك
وحكي أن أم الشافعي رضي الله تعالى عنـه لما حملت بـه رأت كأن المشتري خرج من فرجها وانقض بمصر ثم تفرق في كل بلد قطعة فأول بعالم يكون بمصر وينتشر علمـه بأكثر البلاد فكان كذلك
وحكي أيضا ان عاملا أتى عمر رضي الله تعالى عنـه فقال رأيت الشمس والقمر اقتتلا فقال له عمر مع من كنت ؟ قال مع القمر فقال مع الآية الممحوة والله لا وليت لي عملا فعزله ثم اتفق ان عليا رضي الله تعالى عنـه وقع بينـه وبين معاوية ما وقع فكان ذلك الرجل مع معاوية
وأما من مـهر في تعبير الرؤيا فهو ابن سيرين جاءه رجل فقال له رأيت كأني اسقي شجرة زيتون زيتا فاستوى جالسا فقال ما التي تحتك ؟ قال عجلة اشتريتها وفي رواية جارية وأنا أطؤها فقال
أخاف أن تكون أمك فكشف عنـها فوجدها أمـه وجاءه رجل فقال رأيت كأن في يدي خاتما أختم بـه فروج النساء وأفواه الرجال فقال له أنت مؤذن تؤذن بالليل فتمنع الرجال والنساء من الاكل والوطء وجاءه رجل فقال رأيت جارة لي قد ذبحت في بيت من دارها فقال هي امرأة نكحت في ذلك البيت وكانت امرأة لصديق ذلك الرجل فاغتم لذلك ثم بلغه أن الرجل قدم في تلك الليلة وجامع زوجته في ذلك البيت وجاءه رجل معه جراب فقال له رأيت في النوم كأني أسد الزقاق سدا وثيقا شديدا فقال له أنت رأيت هذا ؟ قال نعم فقال لمن حضره ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان وربما تكون في جرابه آلة الخنق فوثبوا عليه وفتشوا الجراب فوجدوا فيه أوتارا وحلقا فسلموه إلى السلطان وجاءته امرأة وهو يتغدى فقالت له رأيت في النوم كأن القمر دخل في الثريا ونادى مناد من خلق ان ائتني ابن سيرين فقص عليه فتقلصت يده وقال ويلك كيف رأيتي هذا ؟ فأعادت عليه فقال لاخته هذه تزعم اني أموت لسبعة أيام وأمسك يده على فؤاده وقام يتوجع ومات بعد سبعة أيام وجاءه رجل فقال رأيت كأني آخذ البيض وأقشره فآكل بياضه وألقي صفاره فقال ان صدق منامك فأنت نباش الموتى فكان ذلك
وحكي ان ابن سيرين رأى الجوزاء قد تقدمت على الثريا فجعل يوصي وقال يموت الحسن وأموت بعده وهو أشرف مني فمات الحسن ومات بعده بمائة يوم
وحكى أن رجلا رأى عيسى عليه السلام فقال له يا نبي الله صلبك حق قال نعم فعبره على بعضهم فقال تكذب رؤياك بقوله تعالى ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ولكن هو عائد على الرائي فكان كذلك وأتى ابنة مغيث آت في المنام فقال لها
( لك البشيرى بولد ... أشبه شيء بالاسد ... إذا الرجال في كبد )
( تغالبوا على بلد ... كان له حظ الأسد )
المختار بن أبي عبيد وذلك في عام الهجرة وقال رجل لسعيد بن المسيب رأيت كأني بلت خلف المقام أربع مرات قال كذبت لست صاحب هذه الرؤيا قال هو عبد الملك فقال يلي أربعة من صلبه الخلافة وقال الشافعي رضي الله تعالى عنـه رأيت عليا رضي الله تعالى عنـه في المنام فقال لي ناولني كتبك فناولته إياها فأخذها وبددها فأصبحت أخا كآبة فأتيت الجعد فأخبرته فقال سيرفع الله شأنك وينشر علمك
وعن ابن مسعود رضي الله عنـه عن النبي أنـه قال من رآني في منامـه فقد رآني حقا فإن فان الشيطان لا يتمثل بي وجاء إلى النبي فقال رأيت كأن رأسي قد قطع وأنا أنظر إليه فضحك رسول الله وقال بأي عين كنت تنظر إلى رأسك فلم يلبث رسول الله أن توفي وأولوا رأسه بنبيه ونظره إليه باتباع سنته وقال رجل لعلي بن الحسين رأيت كأني أبول في يدي فقال تحتك محرم فنظروا فإذا بينـه وبين امرأته رضاع وقال أبو حنيفة رضي الله عنـه رأيت كأني نبشت قبر رسول الله فضممت عظامـه إلى صدري فهالني ذلك فسألت ابن سيرين فقال ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا قلت أنا رأيتها قال إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك وقال النبي الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الدنيا والآخرة وعن ابن عمر رضي الله عنـهما قال تضرعت إلى ربي سنة أن يرين أبي في النوم حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينـه فسألته فقال لولا رحمة الله لهلك أبوك إنـه سألني عن عقال بعير للصدقة فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز فصاح وضرب بيده على رأسه وقال فعل هذا بالتقي الطاهر فكيف بالمقترف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنـهم أجمعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم
الباب الحادي والستون في الحيل والخدائع المتوصل بها إلى بلوغ المقاصد والتيقظ والتبصر الحيلة من فوائد الآراء المحكمة وهي حسنة ما لم يستبح بها محظور وقد سئل بعض الفقهاء عن الحيل في الفقه فقال علمكم الله ذلك فانـه قال ( وخذ بيدك ضغثا ) ( فاضرب بـه ولا تحنث ) وكان إذا أراد غزوة وروي بغيرها وكان يقول " الحرب خدعة " ولما أراد عمر رضي الله عنـه قتل الهرمزان استسقى ماء فأتوه بقدح فيه ماء فأمسكه في يده واضطرب فقال له عمر لا بأس عليك حتى تشربه فألقى القدح من يده فأمر عمر بقتله فقال أولم تؤمني ؟ قال كيف أمنتك قال قلت لا بأس عليك حتى تشربه وقولك لا بأس عليك أمان ولم أشربه فقال عمر قاتلك الله أخذت مني أمانا ولم أشعر وقيل كان دهاة العرب أربعة كلهم ولدوا بالطائف معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة والسائب بن الأقرع وكان يقال الحاجة تفتح أبواب الحيل وكان يقال ليس العاقل الذي يحتال للأمور إذا وقع فيها بل العاقل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها وقال الضحاك بن مزاحم النصراني لو أسلمت فقال ما زلت محبا للإسلام إلا أنـه يمنعني منـه حبي للخمر فقال أسلم وأشربها فلما أسلم قال له قد أسلمت فان شربتها حديناك وإن ارتددت قتلناك فاختر لنفسك فاختار الاسلام وحسن إسلامـه فأخذه بالحلية
وقيل دليت من السماء سلسلة في أيام داود عليه الصلاة و السلام عند الصخرة التي في وسط بيت المقدس وكان الناس يتحاكمون عندها فمن مد يده اليها وهو صادق نالها ومن كان كاذبا لم ينلها إلى أن ظهرت فيهم الخديعة فارتفعت وذلك أن رجلا أودع رجلا جوهرة فخبأها في مكانـه في عكازة ثم أن صاحبها طلبها من الذي أودعها عنده فأنكرها فتحاكما عند السلسلة فقال المدعي اللهم إن كنت صادقا فلتدن مني السلسلة فدنت منـه فمسها فدفع المدعى عليه العكازة للمدعي وقال اللهم إن كنت تعلم إني رددت الجوهرة إليه فلتدن مني السلسلة فدنت منـه فمسها فقال الناس قد سوت السلسلة بين الظالم والمظلوم فارتفعت بشؤم الخديعة وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام ( أن أحكم بين الناس بالبينة واليمين ) فبقي ذلك إلى قيام الساعة وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي من دهاة ثقيف وثقيف دهاة العرب قيل أنـه وجه إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد ثم دعا برجل من خواصه فدفع إليه ة بيضاء وقال له إن رأيت الأمر عليكم فارسلها ثم قال للناس إني لأجد في محكم الكتاب وفي اليقين والصواب أن الله ممدكم بملائكة غضاب صعاب تأتي في صور ال تحت السحاب فلما كادت الدائرة تكون على أصحابه عمد ذلك الرجل إلى الة فأرسلها فتصايح الناس الملائكة الملائكة وحملوا فانتصروا وقتلوا ابن زياد وعن أبي هريرة رضي الله عنـه عن رسول الله أنـه قال خرجت امرأتان ومعهما صبيان فعدا الذئب على صبي إحداهما فأكله فاختصما في الصبي الباقي إلى داود عليه الصلاة و السلام فقال كيف أمركما ؟ فقصتا عليه القصة فحكم بـه للكبرى منـهما فاختصما إلى سليمان عليه الصلاة و السلام فقال ائتوني بسكين أشق الغلام نصفين لكل منـهما نصف فقالت الصغرى أتشقه يا نبي الله ؟ قال نعم قالت لا تفعل ونصيبي فيه للكبرى فقال خذيه فهو ابنك وقضى بـه لها وجاء رجل إلى سليمان بن داود عليه الصلاة و السلام وقال يا نبي الله إن لي جيرانا يسرقون أوزي فلا أعرف السارق فنادى الصلاة جامعة ثم خطبهم وقال
في خطبته وإن أحدكم ليسرق أوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه فمسح الرجل رأسه فقال سليمان خذوه فهو صاحبكم
وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة وكان شابا جميلا فأرسلت إليهما أن يحضرا عندها فحضرا وجلست بحيث تراهما وتسمع كلامـهما فلما رأى المغيرة ذلك الشاب وعاين جماله علم أنـها تؤثره عليه فأقبل على الفتى وقال لقد أوتيت جمالا فهل عندك غيره هذا ؟ قال نعم فعدد محاسنـه ثم سكت فقال له المغيرة كيف حسابك مع أهلك ؟ قال ما يخفى علي منـه شيء وإني لأستدرك منـه أدق من الخردل فقال المغيرة لكني أضع البدرة في بيتي فينفقها أهلي على ما يريدون فلا أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها فقالت المرأة والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلى من هذا الذي يحصي علي مثقال الذرة فتزوجت المغيرة
وبلغ عضد الدولة أن قوما من الأكراد يقطعون الطريق ويقيمون في جبال شامخة ولا يقدر عليهم فاستدعى بعض التجار ودفع إليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى مسمومة كثيرة الطيب في ظروف فاخرة ودنانير وافرة وأمره أن يسير مع القافلة ويظهر أن هذه هدية لأحد نساء الأمراء ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة فنزل القوم فأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد بـه الجبل فوجد بـه الحلوى فقبح على نفسه أن ينفرد بها دون أصحابه فاستدعاهم فأكلوا على مجاعة فماتوا عن آخرهم وأخذ أرباب الأموال أموالهم
وأتي لبعض الولاة برجلين قد اتهما بسرقة فأقامـهما بين يديه ثم دعى بشربة ماء فجئ له بكوز فرماه بين يديه فارتاع أحدهما وثبت الآخر فقال للذي ارتاع اذهب إلى حال سبيلك وقال للآخر أنت أخذت المال وتلذذت بـه وتهدده فأقر فسئل عن ذلك فقال إن اللص قوي القلب والبرئ يجزع ولو تحرك عصفور لفزع منـه
وقصد رجل الحج فاستودع إنسانا مالا فلما عاد طلبه منـه
فجحده المستودع فأخبر بذلك القاضي أياسا فقال أعلم بأنك جئتني قال لا قال فعد إلي بعد يومين ثم إن القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرجل فأحضره ثم قال له أعلم أنـه قد تحصلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للناس وإني مسافر سفرا بعيدا وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك فقال حبا وكرامة قال فاذهب وهيئ موضعا للمال وقوما يحملونـه فذهب الرجل وجاء صاحب الوديعة فقال له القاضي إياس امض إلى صاحبك وقل له إدفع إلي مالي وإلا شكوتك للقاضي أياس فلما جاء وقال له ذلك دفع إليه ماله واعتذر إليه فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره ثم بعد ذلك أتى الرجل وتبعه الحمالون لطلب الأموال التي ذكرها له القاضي فقال له القاضي بعد أن أخذ الرجل ماله منـه بدا لي ترك السفر امض لشأنك لا أكثر الله في الناس مثلك ولما أراد شيرويه قتل أبيه ابرويز قال إبرويز للداخل عليه ليقتله إني لأدلك على شيء فيه غناك لوجوب حقك علي قال وما هو ؟ قال الصندوق الفلاني فلما قتله وذهب إلى شيرويه وأخبره الخبر فأخرج الصندوق فإذا فيه حق فيه حب ورقعة مكتوب فيها من تناول منـه حبة واحدة افتض عشرة أبكار وكان لشيرويه غرام في الباه فتناول منـه حبة فهلك من ساعته فكان أبرويز أول مقتول أخذ بثأره من قاتله ولما بايع الرشيد لأولاده الثلاثة بولاية العهد تخلف رجل مذكور من الفقهاء فقال له الرشيد لم تخلفت ؟ فقال عاقني عائق فقال اقرأوا عليه كتاب البيعة فقال يا أمير المؤمنين هذه البيعة في عنقي إلى قيام الساعة فلم يفهم الرشيد ما أراد وظن أنـه إلى قيام الساعة يوم الحشر وما أراد الرجل إلا قيامـه من المجلس وقال المغيرة بن شعبة لم يخدعني غير غلام من بني الحرث بن كعب فإني ذكرت امرأة منـهم لأتزوجها فقال أيها الأمير لا خير لك فيها فقلت ولم ؟ قال رأيت رجلا يقبلها فاعرض عنـها فتزوجها الفتى فلمته وقلت ألم تخبرني أنك رأيت رجلا يقبلها ؟ قال نعم رأيت أباها يقبلها وأتى رجل إلى الأحنف فلطمـه فقال ما حملك على هذا ؟ فقال جعل
لي جعل على أن ألطم سيد بني تميم فقال لست بسيدهم عليك بحارثة ابن قدامة فانـه سيدهم فمضى إليه فلطمـه فقطعت يده
وقال الشعبي وجهني عبد الملك إلى ملك الروم فقال لي من أهل بيت الخلافة أنت ؟ قلت لا ولكني رجل من العرب فكتب إلى عبد الملك رقعة ودفعها إلي فلما قرأها عبد الملك قال لي أتدري ما فيها ؟ قلت لا قال فيها " العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف يولون أمرهم غيره " قال أتدري ما أراد بهذا ؟ قلت لا قال حسدني عليك فأراد أن أقتلك فقلت إنما كبرت عنده يا أمير المؤمنين لأنـه لم يترك شيئا إلا سألني عنـه وأنا أجيبه فبلغ ملك الروم ما قاله عبد الملك للشعبي فقال لله أبوه ما عدا ما في نفسي ولما ولي عبد الملك بن مروان أخاه بشرا الكوفة وكان شابا ظريفا غزلا بعث معه بن زنباع وكان شيخا متورعا فثقل على بشر مرافقته فذكر ذلك لندمائه فتوصل بعض ندمائه إلى أن دخل بيت روح بن زنباع ليلا في خفية فكتب على حائط قريب في مجلسه هذه الأبيات
( يا روح من لبنيات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي )
( إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل بنفسك يا روح بن زنباع ) فتخوف من ذلك وخرج من الكوفة فلما وصل إلى عبد الملك أخبره بذلك فاستلقى على قفاه من شدة الضحك قال ثقلت على بشر وأصحابه فاحتالوا لك
ومن الحيل الطريفة ما حكي أن النبي لما فتح خيبر وأعرس بصفية وفرح المسلمون جاءه الحجاج بن علاط السلمي وكان أول من أسلم في تلك الأيام وشـهد خيبر فقال يا رسول الله إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة ولي مال متفرق عند تجار مكة فأذن لي يا رسول الله في العود إلى مكة
أسبق خبر إسلامي إليهم فإني أخاف إن علموا بإسلامي أن يذهب جميع مالي بمكة فأذن لي لعلي أخلصه فأذن له رسول الله فقال يا رسول الله إني احتاج إلى أن أقول فقال له رسول الله قل وأنت في حل قال الحجاج فخرجت فلما انتهيت إلى الثنية ثنية البيضاء وجدت بها رجالا من قريش يتسمعون الأخبار وقد بلغهم أن رسول الله سار إلى خيبر فلما أبصروني قالوا هذا لعمر الله عنده الخبر أخبرنا يا حجاج فقد بلغنا أن القاطع يعنون محمدا قد سار إلى خيبر قال قلت إنـه سار إلى خيبر وعندي من الخبر ما يسركم قال فأحدقوا حول ناقتي يقولون إيه يا حجاج ؟ قال فقلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث بـه إلى مكة فيقتلونـه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فصاحوا بمكة قد جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم بـه عليكم فيقتل بين أظهركم قال فقلت أعينوني على جمع مالي من غرمائي فإني أريد أن اقدم خيبر فأغنم من ثقل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك فقاموا معي فجمعوا لي مالي كأحسن ما أحب فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أقبل علي حتى وقف إلى جانبي وأنا في خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت بـه ؟ قال فقلت وهل عندك حفظ لما أودعه عندك من السر ؟ فقال نعم والله قال قلت استأخر عني حتى الفاك على خلاء فإني في جمع مالي كما ترى فانصرف عني حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت على الخروج لقيت العباس فقلت له احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى أن يتبعوني فاكتم على ثلاثة أيام ثم قل ماشئت قال لك علي ذلك قال قلت والله ما تركت ابن أخيك إلا عروسا على ابنة ملكهم يعني صفية وقد افتتح خيبر وغنم ما فيها وصارت له ولأصحابه قال أحق ما تقول يا حجاج ؟ قال قلت أي والله ولقد أسلمت وما جئت إلا مسلما لآخذ مالي خوفا من أن أغلب عليه فإذا مضت ثلاثة فاظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال فلما كان في اليوم الرابع لبس العباس حلة له وتخلق بالطيب
وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله هو التجلد لحر المصيبة قال كلا والذي حلفتم بـه لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على ابنـه ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه قالوا من جاءك بهذا الخبر ؟ قال الذي جاءكم بما جاءكم بـه ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ ماله وانطلق ليلحق محمدا وأصحابه ليكون معهم قالوا تفلت عدو الله أما والله لو علمنا بـه لكان لنا وله شأن قال ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك فتوصل الحجاج بفطنته واحتياله إلى تخليصه وتحصيل
ماله ولما اجتمعت الاحزاب على حرب رسول الله عام الخندق وقصدوا المدينة وتظاهروا وهم في جمع كثير وجم غفير من قريش وغطفان وقبائل العرب وبني النضير وبني قريظة من اليهود ونازلوا رسول الله ومن معه من المسلمين واشتد الأمر واضطرب المسلمون وعظم الخوف على ما وصفه الله تعالى في قوله تعالى ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) فجاء نعيم بن مسعود بن عامر الغطفاني إلى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله خذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان نديما لهم في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد علمتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم فإن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منـه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاؤا الحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وأموالهم وأولادهم ونساؤهم بغير بلدكم وليسوا مثلكم لأنـهم إن رأوا فرصة إغتنموها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل
ببلدكم ولا طاقة لمن بـه إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منـهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديهم ثقة لمن على أن تقاتلوا معهم محمدا قالوا أشرت بالرأي ثم أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب وكان إذ ذاك قائد المشركين من قريش ومن معه من كبراء قريش قد علمتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنـه قد بلغني أمر وأحببت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي قالوا نعم قال اعلموا أن معشر يهود بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينـهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه يقولون إنا قد ندمنا على نقض العهد الذي بيننا وبينك فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنسلمـهم إليك فتضرب رقابهم ثم نكون معك على من بقي منـهم فنستأصلهم فأرسل يقول نعم فان بعث إليكم يهود بني قريظة يلتمسون منكم رهائن من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو ورؤس بني غطفان إلى بني قريظة يقولون لهم إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاعتدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ فيما بيننا وبينـه فأرسلوا يقولون لهم إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن دهمتكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجال في بلدنا ولا طاقة لنا بـه فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم بـه نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة يقولون إنا لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فأخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل إن الكلام الذي ذكره نعيم بن مسعود لحق وما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك شمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم فخذل الله تعالى بينـهم وأرسل
عليهم الريح فتفرقوا وارتحلوا وكان هذا من لطف الله تعالى أن ألهم نعيم بن مسعود هذه الفتنة وهداه إلى اليقظة التي عم نفعها وحسن وقعها
وأما ما جاء في التيقظ والتبصر في الأمور فقد قالت الحكماء من أيقظ نفسه وألبسها لباس التحفظ أيس عدوه من كيده له وقطع عنـه أطماع الماكرين بـه وقالوا اليقظ حارس لا ينام وحافظ لا ينسام وحاكم لا يرتشى فمن تدرع بها أمن من الاختلال والغدر والجور والكيد والمكر وقيل إن كسرى أنو شروان كان أشد الناس تطلعا في خفايا الأمور وأعظم خلق الله تعالى في زمانـه تفحصا وبحثا عن أسرار الصدور وكان يبث العيون على الرعايا والجواسيس في البلاد ليقف على حقائق الأحوال ويطلع على غوامض القضايا فيعلم المفسد فيقابله بالتأديب والمصلح فيجازيه الاحسان ويقول متى غفل الملك عن تعرف ذلك فليس له من الملك إلا اسمـه وسقطت من القلوب هيبته
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنـه أنـه قال خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنـه في ليلة من الليالي يطوف يتفقد أحوال المسلمين فرأى بيتا من الشعر مضروبا فلم يكن قد رآه بالأمس فدنا من ه فسمع فيه أنين امرأة ورأى رجلا قاعدا فدنا منـه وقال له من الرجل ؟ فقال له رجل من البادية قدمت إلى أمير المؤمنين لأصيب من فضله قال فما هذا الأنين ؟ قال امرأة تتمخض قد أخذها الطلق قال فهل عندها أحد ؟ قال لا فانطلق عمر لرجل لا يعرفه فجاء إلى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنـهما هل لك في أجر قد ساقه الله تعالى لك ؟ قالت وما هو ؟ قال امرأة تتمخض ليس عندها أحد قالت إن شئت قال فخذي معك ما يصلح للمرأة من الخرق والدهن وائتني بقدر وشحم وحبوب فجاءت بـه فحمل القدر ومشت خلفه حتى أتى البيت فقال ادخلي إلى المرأة ثم قال للرجل أوقد لي نارا ففعل فجعل عمر ينفخ
النار ويضرمـها والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضجها وولدت المرأة فقالت أم كلثوم رضي الله عنـها بشر صاحبك يا أمير المؤمنين بغلام فلما سمعها الرجل تقول يا أمير المؤمنين ارتاع وخجل وقال واخجلتاه منك يا أمير المؤمنين أهكذا تفعل بنفسك ؟ قال يا أخا العرب من ولي شيئا من أمور المسلمين ينبغي له أن يتطلع على صغير أمورهم وكبيره فإنـه عنـها مسؤول ومتى غفل عنـها خسر الدينا والآخرة ثم قام عمر رضي الله عنـه وأخذ القدر من على النار وحملها الى باب البيت وأخذتها أم كلثوم وأطعمت المرأة فلما استقرت وسكنت طلعت أم كلثوم فقال عمر رضي الله عنـه للرجل قم الى بيتك وكل ما في البرمة وفي غد ائت الينا فلما أصبح جاءه فجهزه بما أغناه بـه وانصرف وكان رضي الله عنـه من شدة حرصه على تعرف الأحوال وإقامة قسطاس العدل وإزاحة أسباب الفساد وإصلاح الأمة يعس بنفسه ويباشر أمور الرعية سرا في كثير من الليالي حتى أنـه في ليلة مظلمة خرج بنفسه فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثا فوقف على الباب يتجسس فرأى عبدا أسود قدامـه إناء فيه مزر وهو يشرب ومعه جماعة فهم بال من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسور على السطح ونزل إليهم من الدرجة ومعه الدرة فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب وانـهزموا فمسك الأسود فقال له يا أمير المؤمنين قد أخطأت وإني تائب فاقبل توبتي فقال أريد أن أضربك على خطيئتك فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث فان الله تعالى قال ( ولا تجسسوا ) وأنت تجسست وقال تعالى ( وأتوا البيوت من أبوابها ) وأنت أتيت من السطح وقال تعالى ( ولا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) وأنت دخلت وما سلمت فهب هذه لهذه وأنا تائب إلى الله تعالى على يدك أن لا أعود فأستتوبه فاستحسن كلامـه
وله رضي الله تعالى عنـه وقائع كثيرة مثل هذه
وكان معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنـه قد سلك طريق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنـه في ذلك وكان زياد بن أبيه يسلك مسلك معاوية في ذلك حتى نقل عنـه أن رجلا كلمـه في حاجة له وجعل يتعرف إليه ويظن أن زيادا لا يعرفه فقال أنا فلان ابن فلان فتبسم زياد وقال له أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بنفسك ؟ والله إني لأعرفك وأعرف أباك وأعرف أمك وأعرف جدك وجدتك وأعرف هذه البردة التي عليك وهي لفلان وقد أعارك إياها فبهت الرجل وارتعد حتى كاد يغشى عليه
ثم جاء بعدهم من اقتدى بهم وهو عبد الملك بن مروان والحجاج ولم يسلك بعدهما ذلك الطريق واقتفى آثار ذلك الفريق إلا المنصور ثاني خلفاء بني العباس ولي الخلافة بعد أخيه السفاح وهي في غاية الاضطراب فنصب العيون وأقام المتطلعين وبث في البلاد والنواحي من يكشف له حقائق الأمور والرعايا فاستقامت له الأمور ودانت له الجهات ولقد ابتلي في خلافته بأقوام نازعوه وأرادوا خلعه وتمردوا عليه وتكاثروا فلولا أن الله تعالى أعانـه بتيقظه وتبصره ما ثبت له في الخلافة قدم ولا رفع له مع قصد أولئك القاصدين علم لكنـه بث العيون فعرف من انطوى على خلافه فعالجه باتلافه واطلع على عزائم المعاندين فقط رؤوس عنادهم بأسيافه وكان بكمال يقظته يتلقى المحذور بدفعه دون رفعه ويعاجل المخوف بتفريق شمله قبل جمعه فذلت له الرقاب ولانت لخلافته الصعاب وقرر قواعدها وأحكمـها بأوثق الأسباب فمن آثار يقظته وفطنته ما نقله عنـه عقبة الأزدي قال دخلت مع الجند على المنصور فارتابني فلما خرج الجند أدناني وقال لي من أنت ؟ فقلت رجل من الأزد وأنا من جند أمير المؤمنين قدمت الآن مع عمر ابن حفص فقال إني لأرى لك هيبة وفيك نجابة وإني أريدك لأمر وأنا بـه معنى فإن كفيتنيه رفعتك فقلت إني لأرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين فقال أخف نفسك واحضر في يوم كذا قال فغبت
عنـه إلى ذلك اليوم وحضرت فلم يترك عنده أحدا ثم قال لي اعلم أن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيد ملكنا واغتياله ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونـهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف بلادهم فخذ معك عينا من عندي وألطافا وكتبا واذهب حتى تأتي عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب فاقدم عليه متخشعا والكتب على ألسنة أهل تلك القرية والالطاف من عندهم إليه فإذا رآك فإنـه سيردك ويقول لا أعرف هؤلاء القوم فاصبر عليه وعاوده وقل له قد سيروني سرا وسيروا معي ألطافا وعينا وكلما جبهك وأنكر أصبر عليه وعاوده واكشف باطن أمره قال عقبة فأخذت كتبه والعين والألطاف وتوجهت إلى جهة الحجاز حتى قدمت على عبد الله ابن الحسن فلقيته بالكتب فأنكرها ونـهرني وقال ما أعرف هؤلاء القوم قال عقبة فلم أنصرف وعاودته القول وذكرت له اسم القرية وأسماء أولئك القوم وأن معي ألطافا وعينا فأنس بي وأخذ الكتب وما كان معي قال عقبة فتركته ذلك اليوم ثم سألته الجواب فقال أما كتاب فلا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فاقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني محمدا وإبراهيم خارجان لهذا الأمر وقت كذا وكذا قال عقبة فخرجت من عنده وسرت حتى قدمت على المنصور فأخبرته بذلك فقال لي المنصور إني أريد الحج فإذا صرت بمكان كذا وكذا وتلقاني بنو الحسن وفيهم عبد الله فإني اعظمـه وأكرمـه وأرفعه وأحضر الطعام فإذا فرغ من أكله ونظرت إليه فتمثل بين يدي ووقف قدامـه فإنـه سيصرف وجهه عنك فدر حتى تقف من ورائه واغمز ظهره بابهام رجلك حتى يملأ عينيه منك ثم انصرف عنـه وإياك أن يراك وهو يأكل ثم خرج المنصور يريد الحج حتى إذا قارب البلاد تلقاه بنو الحسن فأجلس عبد الله إلى جانبه وحادثه فطلب الطعام للغداء فأكلوا معه فلما فرغوا أمر برفعه فرفع ثم أقبل على عبد الله بن الحسن وقال يا أبا محمد قد علمت أن مما أعطيتني من العهود والمواثيق أنك لا تريدني بسوء ولا تكيد لي سلطانا قال فأنا على ذلك يا أمير
المؤمنين قال عقبة فلحظني المنصور بعينـه وقمت حتى وفقت بين يدي عبد الله بن الحسن فاعرض عني فدرت من خلفه وغمزت ظهره بإبهام رجلي فرفع رأسه وملأ عينيه مني ثم وثب حتى جثى بين يدي المنصور وقال أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله فقال له المنصور لا أقالني الله إن لم أقتلك وأمر بحبسه وجعل يتطلب ولديه محمد وإبراهيم ويستعلم أخبارهما
قال علي الهاشمي صاحب غدائه دعاني المنصور يوما فإذا بين يديه جارية صفراء وقد دعا لها بأنواع العذاب وهو يقول لها ويلك إصدقيني فوالله ما أريد إلا الألفة ولئن صدقتيني لأصلن رحمـه ولأتبعن البر إليه وإذا هو يسألها عن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي ابن أبي طالب وهي تقول لا أعرف له مكانا فأمر بتعذيبها فلما بلغ العذاب منـها أغمي عليها فقال كفوا عنـها فلما رأى أن نفسها كادت تتلف قال ما دواء مثلها ؟ قالوا شم الطيب وصب الماء البارد على وجهها وأن تسقى السويق ففعلوا بها ذلك وعالج المنصور بعضه بيده فلما أفاقت سألها عنـه فقالت لا أعلم فلما رأى إصرارها على الجحود قال لها أتعرفين فلانة الحجامة فلما سمعت منـه ذلك تغير وجهها وقالت نعم يا أمير المؤمنين تلك من بني سليم قال صدقت هي والله أمتي إبتعتها بمالي ورزقي يجري عليها في كل شـهر وكسوة شتائها وصيفها من عندي سيرتها وأمرتها أن تدخل منازلكم وتحجمكم وتتعرف أحوالكم وأخباركم ثم قال لها أتعرفين فلانا البقال ؟ قالت نعم يا أمير المؤمنين هو في بني فلان قال صدقت هو والله غلامي دفعت إليه مالا وأمرته أن يبتاع بـه ما يحتاج إليه من الأمتعة وأخبرني أن أمة لكم يوم كذا وكذا جاءت إليه بعد صلاة المغرب تسأله حناء وحوائج فقال لها ما تصنعين بهذا ؟ قالت كان محمد بن عبد الله بن الحسن في بعض الضياع بناحية البقيع وهو يدخل الليلة وأردنا هذا ليتخذ النساء ما يحتجن إليه عند أزواجهن من المغيب فلما سمعت الجارية هذا الكلام من المنصور ارتعدت من شدة الخوف وأذعنت له بالحديث وحدثته بكل ما أراد والله سبحانـه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الباب الثاني والستون في ذكر الدواب والوحوش والطير والهوام والحشرات وما أشبه ذلك مرتبا على حرف المعجم
( حرف الهمزة ) ( الأسد ) من السباع والأنثى أسدة وله أسماء كثيرة فمن أشـهرها أسامة والحرث وقسورة والغضنفر وحيدرة والليث والضرغام ومن كناه أبو الأبطال وأبو شبل وأبو العباس وهو أنواع منـها ما وجهه وجه إنسان وشكل جسده كالبقر وله قرون سود نحو شبر ومنـه ما هو أحمر كالعناب وغير ذلك وتلده أمـه قطعة لحم وتستمر تحرسه ثلاثة أيام ثم يأتي أبوه فينفخ فيه فتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته ثم ترضعه وتستمر عيناه مغلوقة سبعة أيام ثم تفتتح ويقيم على تلك الحالة بين أبيه وأمـه إلى ستة أشـهر ثم يتكلف الكسب بعد ذلك وله صبر على الجوع والعطش وعنده شرف نفس يقال أنـه لا يعاود فريسته ولا يأكل من فريسة غيره ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وفي ذلك يقول بعضهم
( سأترك حبكم من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه )
( إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه )
( وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه ) وإذا أكل نـهش نـهشا وريقه قليل جدا و لذلك يوصف بالبحر وعنده شجاعة وجبن وكرم فمن شجاعته الإقدام على الأمور وعدم الاكتراث بالغير ومن جبنـه أنـه يفر من صوت الديك والسنور
ويتحير عند رؤية النار ومن كرمـه انـه لا يقرب المرأة خصوصا إذا كانت حائضا وقيل أربع عيون تضئ بالليل عين الأسد وعين النمر وعين السنور وعين الأفعى
وروي أنـه لما تلا رسول الله ( والنجم إذا هوى ) قال عتبة بن أبي لهب كفرت برب النجم يعني نفسه فقال رسول الله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ينـهشـه فخرج مع أصحابه في عير الى الشام حتى إذا كانوا بمكان يقال له الزرقاء زأر الأسد فجعلت فرائصه ترتعد فقالوا له من أي شئ ترتعد فرائصك فوالله ما نحن وأنت إلا سواء ؟ فقال ان محمدا دعا علي و والله ما أظلت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم وجعلوه بينـهم وناموا فجاء الأسد يتهمس وشمـهم رجلا رجلا حتى إنتهى اليه فضغطه ضغطة كانت إياها فسمع وهو بآخر رمق يقول ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس ولبعضهم في الأسد
( عبوس شموس مصلخد مكابد ... جريء على الأقران للقرن قاهر )
( براثنـه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضى في وجهه الشر ظاهر )
( يديل بأنياب حداد كأنـها ... إذا قلص الأشداق عنـها خناجر ) فائدة إذا أقبلت على واد مسبع فقل أعوذ بدانيال والجب من شر الأسد وسبب ذلك على ما قيل إن بختنصر رأى في نومـه أن هلاكه يكون على يد مولود فجعل يأمر بقتل الأطفال فخافت أم دانيال عليه فجاءت الى بئر فألقته فيه فأرسل الله له أسدا يحرسه وقيل إن بختنصر توهم ذلك في دانيال فضري له أسدين وجعلهما في الجب وألقاه
فلم يؤذياه وصار يبصبصان حوله ويلحسانـه فأقام ما شاء الله تعالى أن يقيم ثم اشتهى الطعام وال فأوحى الله تعالى إلى أرمياء بالشأم أن اذهب الى أخيك دانيال يحب كذا بمكان كذا قال أرمياء فسرت إلى ذلك الموضع فلما وقفت على رأس الجب ناديته فعرفني فقال من أرسلك إلي ؟ قلت أرسلني الله إليك بطعام و فقال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد لله الذي لا يخيب من قصده والحمد لله الذي وثق بـه لا يكله إلى غيره والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاة وغفرانا والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا قال ثم صعد يه أرمياء من الجب وأقام عنده مدة ثم فارقه ورجع وحكي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام مر بقبر دانيال عليه الصلاة و السلام فسمع منـه صوتا يقول سبحان من تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت قال بعض الصالحين من قال هذه الكلمات استغفر له كل شئ
وحكي أن إبراهيم ين أدهم كان في سفره ومعه رفقة فخرج عليهم الأسد فقال لهم قولوا أللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نـهلك وأنت رجاؤنا يا ألله يا ألله يا ألله قال فولى الأسد هاربا وقيل لما حمل نوح عليه الصلاة و السلام في سفينته من كل زوجين اثنين قال أصحابه كيف نطمئن ومعنا الأسج ؟ فسلط الله عليه الحمى وهي أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا اليه المعذرة فأمر الله تعالى الخنزير لا فعطس فخرج منـه الفأر فلما كثر وزاد ضرره فشكوا ذلك لنوح عليه الصلاة واللام فأمر الله سبحانـه وتعالى الأسد فعطس فخرج منـه الهر فحجب الفأر عنـهم ويحرم أكل السبع لنـهيه عليه الصلاة و السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير
خواصه فمن خواصه أن صوته يقتل التماسيح وشحمـه من طلى بـه يده لم يقربه سبع ومرارة الذكر منـه تحل المعقود ولحمـه ينفع من الفالج واذا وضعت قطعة من جلده في صندوق لم يقربه سوس ولا أرضة واذا وضع على جلد غيره من السباع تساقط شعره وهو من الحيوان الذي يعيش ألف سنة على ما ذكر وعلامة ذلك كثرة سقوط أسنانـه
( الإبل ) قيل ما خلق الله شيئا من الدواب خير من الإبل إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت وفي حديث ( الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة ) وهي من الحيوان العجيب وان كان عجبه قد سقط لكثرة مخالطته الناس وقد أطاعها الله للآدمي وغيره حتى قيل ان قطارا كان ببعض حبله دهن فمرت فأرة فجذبته فسار معها القطار بواسطة جذبها له وهي مراكب البر ولذلك قرنـها الله تعالى بالسفن فقال تعالى ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ولما كانت مراكب البر والبر فيه ما ماؤه قليل وما ماؤه كثير جعل الله تعالى لها صبرا على العطش حتى قيل إنـه يرتع ظمؤها الى عشر وفي الحديث ( لا تسبوا الإبل فانـها من فنفس الله تعالى أي مما يوسع بـه على الناس ) حكاه ابن سيده والذي يعرف لا تسبوا الريح فانـها من نفس الرحمن قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان ليس لشيء من الطحول مثل ما للجمل عند هيجانـه فإنـه يسوء خلقه فيظهر زبده ويقل رغاؤه فلو حمل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل ويقل أكله ويخرج له عند رغرئه شقشقة لا تعرف من أي شيء هي من أجزائه وهو من الأحرار حتى قيل إنـه لا ينزو لا على أمـه ولا على أخته حتى قيل إن بعض العرب ستر ناقته بثوب ثم أرسل عليها ولدها فلما عرف ذلك عمد إلى أحليله فأكله ثم حقد على صاحبه حتى قتله وليس له مرارة ولذلك كثر صبره وقيل يوجد على كبده شيء رقيق يشبه المرارة ينفع الغشاوة
في العين كحلا وفي معدته قوة حتى أنـها تهضم الشوك وتستطيبه ويحل أكله بالنص والإجماع وأما تحريم يعقوب عليه الصلاة و السلام أكلها فباجتهاد منـه وذلك أنـه كان يسكن البوادي فاشتكى عرق النسا فلم يجد ما يل ائمـه إلا ترك أكل لحومـها فلذلك حرمـها وأما انتقاض الوضوء بأكل لحمـها فاختلف العلماء في ذلك فذهب الأكثرون إلى أنـه لا ينقض وعليه الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي وابن عباس وأبوا الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين وبه أخذ مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وخالف في ذلك أحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وهو مذهب الشافعي القديم
خواصه قال ابن زهير وغيره أكل لحمـه يزيد في الباه وفي الإنعاظ بعد الجماع وبوله يفيق السكران ووبره إذا أحرق وذر على دم سائل قطعه وقراده إذا ربط على كم عاشق يزول عشقه
( الأرضة ) بفتح الهمزة والراء دويبة صغيرة كنصف العدسة تأكل الخشب والورق ولما كان فعلها في الأرض أضيف اسمـها إليها قال القزويني إذا أتى على الأرضة سنة نبت لها جناحان طويلان تطير بهما ويقال إنـها الدبةالتي دلت الجن على موت سليمان عليه الصلاة و السلام ومن شأنـها أنـها تبني لنفسها بيتا من عيدان تجمعها مثل بيت العنكبوت منخرطا من أسفله إلى أعلاه وله في إحدى جهاته باب مربع ومنـه تعلم الأوائل وضع النواويس لموتاهم والنمل عدوها وهو أصغر منـها فيأتي من خلفها ويحتملها ويمشي بها إلى حجره لأنـه إذا أتاها مستقبلا لا يغلبها
( الأرنب ) حيوان شبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين يطأ الأرض على مؤخر قدميه وهو اسم يطلق على الذكر والأنثى وله شدة شبق وربما تسفد وهي حبلى ويكون عاما ذكرا وعاما أنثى ومن عجائبها أنـها
تنام وعيناها مفتوحتان فيأتي الصياد فيظنـها مستيقظة قيل من رأى أرنبا عند خروجه من بيته أول ما يخرج أو رآه عند قيامـه من نومـه واصطبح بـه لم تقض له حاجة في ذلك اليوم ومن عجيب أمره أن تحمل الأنثى منـه باثنين وثلاثة وأربعة ولا تلد إلا تحت الأرض خوفا على أولادها من الإنسان وتحفر تحت الأرض الحفائر القوية حتى أنـها تخرب الجدران وعند ولادتها ينتحل شعرها وهي تحضن الأولاد إلى عشرين يوما ومن طبعه إنـه أبله وفيه قوة وشدة وفي سفاده حالة نزوة يصرخ الذكر والأنثى كالسنانير فإدا وقع منع الإنزال وقع على الأرض قليل الحركة وعند سفاده تدير له وجهها فإذا ملكها بعد ذلك فإنـها تجري بـه وهو راكب عليها ويجري معها
فائدة ذكر ابن الأثير في الكامل أن صديقا له أصطاد أرنبا وله أنثيان وذكر وفرج وقيل التقطت الأرنب تمرة فاختلسها الثعلب فأكلها فانطلقا يتخاصمان إلى الضب فقالت الأرنب يا أبا حسل فقال سميعا دعوت قالت أتيناك لنختصم قال عادلا وحكيما قالت فاخرج إلينا قال في بيته يؤتى الحكم قالت إني وجدت تمرة حلوة قال فكليها قالت اختلسها الثعلب قال لنفسه بغي الخير قالت فلطمته قال بحقك أخذت قالت فلطمني قال اقتص قالت فاقض بيننا قال قد قضيت فذهبت أقواله أمثالا
ومن ذلك ما حكي أن عدي بن أرطأة أتى شريحا القاضي في مجلس حكمـه فقال له أين أنت ؟ قال بينك وبين الحائط قال فاسمع مني قال للاستماع جلست قال إني تزوجت امرأة قال بالرفاه والبنين قال فشرط أهلها أن لا أخرجها من بينـهم قال أوف لهم بالشرط قال فأنا أريد الخروج قال الشرط أملك قال أريد أن أذهب قال في حفظ الله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال فعلى من قضيت ؟ قال على ابن أمك قال بشـهادة من ؟ قال ؟ بشـهادة ابن أخت خالك
الخواص قال الجاحظ من علق عليه كعب أرنب لم تضره عين ولا
سحر وأكل دماغه يبرئ من الارتعاش العارض من البرد وإن شربت المرأة الحامل أنفحة الذكر ولدت ذكرا وإن شربت أنفحة الأنثى ولدت أنثى وإن علقت عليها زبلها لم تحمل والأرنب البحري من السموم فلا يحل أكله
( سقنقور ) دابة شكلها كالوزغة إذا أخذت وس وملحت وشربت منـها مثقال زاد في الباه وهر من الأشياء النفيسة عند أهل الهند يقال إنـه يهدى إليهم فيذبحونـه بسكين من الذهب ويحشونـه من ملح مصر فإذا وضعوا منـه مثقالا على لحم أو بيض نفع نفعا عظيما ( الأفعى ) الأنثى من الحيات والذكر أفعوان وهو يعيش ألف سنة على ما يقال ويعرف بالشجاع والأسود وهو أشر الحيات وأشرها حيات وأفاعي سجستان ومن عجيب ما يحكى عنـها أنـها لدغت إنسانا في رجله فانصدعت جبهته
وحكي أنـها نـهشت ناقة وفصيلها يرضع فمات قبل أمـه وقيل لما دخل شبيب بن شبة على المنصور قال له يا شبيب أدخلت سجستان ؟ فقال له نعم قال صف لي أفاعيها قال يا أمير المؤمنين هي دقاق الأعناق صغار الأذناب مقلصة الرؤوس رتش برش كأنما كسين أعلام الحبرات كبارهن حتوف وصغارهن سيوف وقيل إنـها تتدفن في التراب أربعة أشـهر في البرد ثم تخرج وقد أظلمت عيناها فتمر بشجر الرازيانج وهو الشمر الأخضر فتحك عينيها بـه فيرجع إليها بصرها فسبحان من ألهمـها ذلك وقال الزمخشري إذا عميت الأفعى بعد ألف سنة ألهما الله تعالى أن تأني البساتين وتلقي نفسها على هذه الشجرة وتحك عينيها بها فتبصر وقيل إذا قطع ذنبها عاد منا كان وإذا قلع نابها عاد بعد ثلاثة أيام وهي أعدي عدو للانسان وقال بعضهم رأيت حية قد ابتلعت كبشا عظيم القرنين فجعلت تضرب بـه الحجارة يمينا ويسارا حتى كسرت القرنين وابتلعته وقرنيه والله تعالى أعلم وقيل إذا قطع ذنب الحية تعيش إن سلمت من الذر وقيل إن بالحبشة حيات لها أجنحة تطير بها وقيل إن جلدها ينسلخ عنـها في
كل سنة مرة وقيل إن الجلد لا ينسلخ وإنما الذي ينسلخ قشر فوق الجلد وغلاف يخلق لها كل عام وهي تبيض على عدد أضلاعها أي ثلاثين بيضة فيجتمع عليها النمل فيفسدها بقدرة الله تعالى إلا نادرا ومن عجيب أمرها أنـها لا ترد المرء ولا ترده ولكنـها إذا شمت رائحة الخمر فلا تكاد تصبر عنـه مع أنـه سبب هلاكها لأنـها إذا شربت سكرت فتعرضت للقتل والذكر لا يقيم في الموضع وإنما تقيم الأنثى لأجل فراخها حتى تكتسب قوة فإذا قويت أخذتهم وإنسابت فأي جحر وجدته دخلت فيه وأخرجت صاحبه منـه وعينـها لا تدور وإذا قلعت عادت ومن عجيب أمرها أنـها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتقرب منـها وتحب اللبن حبا شديدا وإذا دخلت بصدرها في جحر لا يستطيع أقوى الناس إخراجها منـه ولو قطعت قطعا وليس لها قوائم ولا أظفار وإنما تقوى بظهرها لكثرة أضلاعها
وحكى عمر بن يحيى العلوي قال كنا في طريق مكة فأصاب رجلا منا استسقاء فاتفق العرب أن سرقوا منا فطار جمال على أحدها ذلك الرجل قال ثم بعد أيام جمعتنا المقادير فوجدته قد برئ فسألناه عن حاله فقال إن العرب لما أخذوني جعلوني في أواخر بيوتهم فكنت في حالة أتمنى فيها الموت وبينما أنا كذلك إذ أتوا يوما بأفاعي اصطادوها وقطعوا رؤوسها وأذنابها وشووها بعد ذلك فقلت في نفسي هؤلاء إعتادوها فلا تضرهم فلعلي إن أكلت منـها مت فاسترحت فاستطعمتهم فأطعموني واحدة فلما استقرت في بطني أخذني النوم فنمت نوما ثقيلا ثم استيقظت وقد عرقت عرقا شديدا واندفعت طبيعتي نحو مائة مرة فلما أصبحت وجدت بطني قد ضمر وقد انقطع الألم فطلبت منـهم مأكولا فأكلت وأقمت عندهم أياما فلما نشطت ووثقت من نفسي بالحركة أخذت في الطريق مع بعضهم وأتيت الكوفة
فائدة قيل إن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى وإنما وجد في زمانـه وسببه أن كسرى كان ذات يوم جالسا في بعض متفرجاته إذا
جاءته حية فانسابت ين يديه وتمرغت وصارت تتقلق مثل الذي يشتكي فأراد بعض الجند قتلها فمنعهم الملك ثم قال لهم انظروا أمرها فلما سمعت ذلك انسابت بين يديه فأمرهم أن يتبعوها إلى المكان الذي تريده قال فجاءت إلى بئر وصارت تنظر فيه قال فنظروا فإذا فيه حية عظيمة وعلى ظهرها عقرب أسود فنخسها بعضهم برمح فقتلها وتركوها ورجعوا فأخبروا الملك بذلك فلما كان الغد جاءت الحية للملك وفي فمـها بزر فنثرته بين يدي الملك وذهبت فقال الملك إنـها أرادت مكافأتنا اجعلوه في الأرض لننظر ما يكون من أمره قال ففعلوا ذلك فطلع منـه الريحان قال فلما انتهى أمره أتوا بـه إلى الملك قال وكان بـه زكام فشمـه فبرئ
لطيفة من غريب ما اتفق لعماد الدولة أنـه لما ملك شبراز اجتمع عليه أصحابه وطلبوا منـه مالا ولم يكن عندهم ما يرضيهم بـه فاغتم لذلك ونام مستلقيا على قفاه مفكرا في ذلك وإذا بحية عظيمة خرجت من سقف ذلك المجلس ودخلت في سقف آخر قال فطلب سلما وصعد لينظر المكان الذي خرجت منـه فلما رآه وجد كوة فنطر في داخلها فإذا هي مطمورة فدخلها فوجد فيها صندوقا فيه خمسمائة ألف دينار فأمر بإخراجه وإنفاقه على عسكره
ومن ألطف ما اتفق له أيضا أنـه كان بتلك البلد خياط أطروش وكان الملك الذي قبله قد أودع عنده وديعة مال قال فطلبه عماد الدولة ليخيط له على عادته لأنـه هو الذي يخيط للملوك قال فتوهم الأطروش أنـه غمز عليه بسبب الوديعة فلما حضر بين يدي عماد الدولة قال له إن فلانا الملك لم يدع عندي سوى اثني عشر صندوقا ولم أدر ما فيها فأمر باحضارها فأحضرها فأخذها عماد الدولة ووسع بها علىوتعجب من هاتين القضيتين فكانت هذه الأسباب من دلائل السعادة له وأمر النبي بقتل الحيات بعد أن تنذر ثلاث مرات وقيل ثلاثة أيام وأما سكان البيوت
فالانذار لها متعين وفي الحديث " من قتل حية فكأنما قتل مشركا ومن لبس خفا فلينفضه ومن آوى إلى فراشـه فلينظفه
الخواص يقال أن دمـها يجلو البصر وقلبه إذا علق على إنسان لا يؤثر فيه السحر وضرسها إذا علق على من بـه وجع الضرس سكن الأيمن للأيمن والأيسر للأيسر ولحمـها قال بقراط الحكيم من أكله أمن من الأمراض الصعبة
( الأنيس ) وتسميه الرماة الأنسية لأنـه من طيور الواجب عندهم وهو طير له لون حسن غذاؤه الفاكهة ومأواه الأنـهار والبساتين والغياض وله صوت حسن كالقمري ( الأوز ) طير السباحة وفراخه تخرج من البيضة تسبح
الخواص في جوفه حصاة تنفع المبطون ودهنـه ينفع من ذات الجنب وداء الثعلب إذا طلي بـه ولسانـه ينفع لقطار البول وغذاؤه جيد إلا أنـه بطيء الهضم ( الإيل ) بتشديد الياء المكسورة ذكر الوعل وله أسماء باختلاف اللغات وهو يشبه بقر الوحش وإذا خاف من الصياد رمى بنفسه من رأس الجبل ولا يتضرر بذلك وإذا لسعته حية ذهب إلى البحر فأكل السرطان فيشفى
خواصه إن السمك يحب رؤيته وهو يحب ذلك ولذلك أكثر ما يكون بقرب البحر والصيادون يعرفون ذلك فيلبسون جدله ليراهم السمك فيأتي لهم وهو مولع بأكل الحيات وربما لسعته فتسيل دموعه تحت محاجر عينيه حتى تصير نفرتين من كثرة ذلك ثم تجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فتؤخذ وتجعل دواء للسم وهو الذي يسمى بالبنزهير الحيواني وأجوده الأصفر وأكثر ما يكون ببلاد الهند والسند وفارس وإذا وضع على لسعة الحيات أبرأها وإن وضعه الملسوع في فيه نفعه وهذا الحيوان لا تنبت قرناه إلا بعد سنتين وينبتان في أول الأمر مستقيمين
ثم بعد ذلك يحصل فيهما التشعب ولا يزال يزيد إلى ست سنين فحينئذ يصيران كنخلتين ثم بعد ذلك يلقيهما في كل سنة مرة ثم ينبتان قال أرسطو وهذا النوع يصاد بالصفير والأصوات المطربة فإنـه يحب الطرب والصيادون يشغلونـه بذلك ويأتونـه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه وثبوا عليه وقرنـه مصمت واحليله من عصب لا عظم فيه ولا لحم وهو من الحيوان الذي يزيد في السمن فإذا حصل له ذلك فر من مكانـه خوفا من الصيادين وحكمـه حل أكله
الخواص إذا بخر بقرنـه البيت طرد الهوام التي فيه وإذا أحرق واستاك بـه الذي بـه صفرة الأسنان زال ذلك عنـه ومن علق عليه شيء منـه ذهب نومـه ومن خواصه أن دمـه يفتت الحصاة التي بالمثانة شربا والله سبحانـه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
( حرف الباء الموحدة ) ( باز ) كنيته أبو الأشعث وهو من أشد الحيوان تكبرا وأضيقها خلقا قال القزويني إنـها لا تكون إلا أنثى وذكرها من غيرها إما من جنس الحدأة أو الشواهين ولأجل ذلك تختلف ألوانـها وهو أصناف منـها البازي والباشق والشاهين والبيدق والبقر والبازي آخرها مزاجا لأنـه لا يصبر على العطش فلذلك لا يفارق الماء والأشجار المتسعة والظل والظليل وهو خفيف الجناح سريع الطيران تكثر أمراضه من كثرة طيرانـه لأنـه كلما طار انحط لحمـه وهزل وأحسن أنواعه ما قل ريشـه واحمرت عيناه مع حدة فيهما قال الشاعر
( لو استضاء المرء في إدلاجه ... بعينـه كفته عن سراجه ) ودونـه الأزرق الأحمر العينين والأصفر دونـهما ومن صفاته المحمودة أن يكون طويل العنق عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين شديد الانحطاط من الجو غليظ الذراعين مع قصر فيهما
لطيفة من عجيب أمره أن الرشيد خرج ذات يوم للصيد فأرسل بازا فغاب قليلا ثم أتي وفي فمـه سمكة فأحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل يا أمير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضي الله تعالى عنـهما أنـه قال إن الجو معمور بأمم مختلفة الخلق وفيه دواب تبيض وتفرخ على هيئة السمك لها أجنحة ليست بذوات ريش فأجاز مقاتلا على ذلك وأكرمـه ( باله ) سمكة عظيمة قال القزويني يقال إن طولها يبلغ خمسمائة ذراع وقال غيره خمسون ويقال لها العنبر وهي تظهر في بعض لأحايين لأصحاب المراكب فإذا رأوها طبلوا بالطبول حتى أنـها تنفر لأن لها جناحين كالقناطر إذا نشرتها أغرقتهم فإذا بغت على حيوان البحر وزاد شرها أرسل الله عليها سمكة نحو الذراع تلتصق بأذنـها ولا خلاص لها منـهافتنزنل إلى قعر البحر وتضرب رأسها بـه حتى تموت ثم تطفو بعد ذلك فيقذفها الريح إلى الساحل فيأخذها أهله ويشقون جوفها ويستخرجون منـها العنبر ( ببغاء ) هي أصناف كثيرة منـها الأخضر والرمادي والأصفر والأبيض يتخذها الملوك والرؤساء لحسن لونـها وصوتها وفصاحتها
حكي أنـه أهدي لمعز الدولة درة بيضاء سوداء الرجلين والمنقار ويقال إن نوعا منـها يقرأ القرآن
الخواص من أكل لسانـها تفصح وإذا جفف دمـها وجعل بين الصديقين حصلت بينـهما الخصومة وزبلها يخلط بماء الحصرم ويكتحل بـه ينفع من الرمد وظلمة البصر ( بج ) طائر أبيض اللون يميل إلى الصفرة طويل المنقار كبير البطن أكثر أكله السمك ( يح ) طائر لطيف يأوي أطراف الماء وهو خلقة شريفة لم يوجد غالبا إلا اثنين فقط ( براق ) هو الدابة التي ركبها النبي وهو دون البغل وفوق الحمار أبيض اللون ( برذون ) نوع من الخيل دون الفرس العربي وفي الحديث أن النبي ركبه وكذا عمر رضي الله تعالى عنـه فلما ركبه عمر جعل يتخلخل بـه فنزل عنـه وضرب وجهه وقال لا أعلم والله علمك هذه الحيلاء ولم
يركب بزذونا قبله ولا بعده وكنيته أبو الأخطل لطول ذنبه وأنشد السراج الوراق في ذم البراذين يقول
( لصاحب الأحباس برذونة ... بعيدة العهد عن القرط )
( إذا رات خيلا على مربط ... تقول سبحانك يا معطي )
( تمشي إلى خلف إذا ما مشت ... كأنما تكتب بالقبطي )
الخواص إذا شربت امرأة دمـه لم تحبل أبدا وزبله يخرج المشيمة والجنين الميت وإذا جفف وذر منـه على من بـه الرعاف انقطع رعافه وكذا الجرح ( برغوث ) تفتح منـه الباء وتضم وكنيته أبو طامر وأبو عدي وأبو وثاب وهو يثب إلى ورائه
حكي أنـه يعرض له الطيران كالنمل وهو يطيل السفاد ويبيض ويفرخ وأصله أولا من التراب لا سيما في الأماكن المظلمة وسلطانـه في أواخر الشتاء وأول فصل الربيع ويقال أنـه على صورة الفيل وله أنياب وخرطوم وقال بعضهم دبيبها من تحتي أشد من عضها وليس ذلك بدبيب ولكن البرغوث خبيث يستلقي على ظهره ويرفع قوائمـه فيزغزغ بها فيظن من لا علم له أنـه يمشي تحت جنبيه وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنـه يفلي ثوبه فيلتقط البراغيث ويدع القمل فقال له أنس في ذلك فقال أبدأ بالفرسان وأكر على الرجالة وأنشد أعرابي
( ليل البراغيث أعياني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث )
( كأنـهن وجلدي إذ خلون بـه ... أيتام سوء أغاروا في المواريث ) وقال أبو الرماح الأزدي
( تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بوادي الغضى ليلي علي يطول )
( تؤرقني حدب قصار أذلة ... وإن الذي يؤذينـه لذليل )
( إذا جلت بعض الليل منـهن جولة ... تعلقن في رجلي حيث أجول )
( إذا ما قتلناهن أضعفن كثرة ... علينا ولا ينعى لهن قتيل )
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وليس لبرغوث علي سبيل ) وقال ابن أيبك الصفدي
( أشكو إلى الرحمن ما نالني ... من البراغيث الخفاف الثقال )
( تعصبوا بالليل لما دروا ... أني تقنعت بطيف الخيال ) ولا يسب البرغوث لما ورد أن النبي سمع رجلا يسب برغوثا فقال لا تسبه فإنـه أيقظ نبيا إلى الصلاة الفجر
فائدة سئل مالك عن البرغوث من يقبض روحه فقال أله نفس قيل نعم قال الله يتوفى الأنفس حين موتها ولقد شكا عامل افريقية إلى عمر بن عبد العزيز شر الهام فكتب إليه إذا أوى أحدكم إلى فراشـه فليقرأ ( وما لنا ألا نتوكل على الله ) الآية وقال حنين بن إسحاق الحيلة في دفع البرغوث أن تأخذ شيئا من الكبريت فتدخن بـه في البيت فإنـها تفر من ذلك وقيل يرش البيت بماء السذاب وقيل مشاق المراكب يحرق في البيت مع قشور النارنج ( بعوض ) قيل إنـه أكثر أعضاء منـه فان للفيل أربعة أرجل وللبعوض ستة ويزيد عليه بأربعة أجنحة وله خرطوم مجوف نافذ فإذا طعن بـه جسد إنسان استقي الدم وقذف بـه إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم ومما ألهمـه الله تعالى أنـه إذا جلس على عضو انسان يتبع مسام العروق فإنـها أرق وأسرع له في اخراج الدم وعنده شره في مصه حتى قيل إنـه لا يمص شيئا فيتركه باختياره إلى أن ينشق أو يطار ومن عجيب أمره أنـه ربما قتل البعير وغيره من ذوات الأربع فيتركه طريحا وقال الجاحظ من علم البعوض إن وراء جلد الجاموس دما وأن ذلك الدم غذاء لها وأنـها إذا طعنت في ذلك الجلد الغليظ نفذ فيه خرطومـها مع ضعفه ولو أنك طعنت فيه بمسلات شديدة المتن رهيفة الحد لانكسرت فسبحان من رزقها على ضعفها بقوته وقدرته قال بعضهم
( أقول لنازل البستان طوبى ... لعيشك لم تشك فيه البعوض )
( يململه فليس له قرار ... ويثخنـه فليس له نـهوض )
( حماه قرصه وطنينـه أن ... يبيت وعينـه فيها غموض )
( كأنك حين تهدى بالأغاني ... تكر وفي مسامعك العروض )
ومن الحكم التي أودعها الله تعالى إياها أن جعل الله فيها قوة الحافظة والفكر وحاسة اللمس والبصر والشم ومنفذ الغذاء وجوفا وعروقا ومخا وعظاما فسبحان من قدر فهدى ولم يترك شيئا سدى وقال الزمخشري في تفسير سورة البقرة في ذلك
( يا من يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليل )
( ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخ من تلك العظام النحل )
( ويرى خرير الدم في أوداجها ... متنقلا من مفصل في مفصل )
( ويرى وصول إذا الجنين ببطنـها ... في ظلمة الأحشا بغير تمقل )
( ويرى مكان الوطء من أقدامـها ... في سيرها وحثيثها المستعجل )
( ويرى ويسمع حس ما هو دونـها ... في قاع بحر مظلم متهول )
( امنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول ) ( بغل ) معروف وكنيته أبو قموص وأبو حرون وله كنى غير ذلك كثيرة وهو مركب من الفرس والحمار ولذلك صار له صلابة الحمار وعظم الخيل وهو عقيم لا نسل له روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن علي كرم الله وجهه أنـها كانت ت فدعا عليها إبراهيم الخليل لأنـها كانت تسرع في نقل الحطب لنار
المنجنيق فقطع الله نسلها وهو أشر الطباع لأنـه تجاذبه الاعراق المتضادة والاخلاق المتباينة والعناصر المتباعدة ومن العجيب أن كل عضو فرضته منـه كان بين الفرس والحمار
الخواص يقال إن حافر البغلة السوداء ينفع لطرد الفار إذا بخر بـه البيت وإذا سحق حافره بعد حرقه وخلط بدهن الآس وجعل على رأس الاقرع نبت شعره وزبله إذا شمـه المزكوم زال زكامـه على ما ذكر
( بقر ) هو حيوان شديد القوة خلقه الله تعالى لمنفعة الانسان وهو أنواع الجواميس وهي أكثر ألبانا وكل حيون انائه أرق أصواتا من ذكوره إلا البقر وأنثاه يضربها الفحل في السنة مرة وإذا اشتد شبقها تركت المرعى وذهبت وإذا طلع عليها الفحل التوت تحته إذا أخطأ المجرى لشدة صلابة ذكره قال المسعودي رأيت بالري البقر تحمل كالبعير فتبرك على ركبتيها ثم تثور بالحمل ( عجيبة ) حكي في الأحياء أن شخصا كان له بقرة وكان يشوب لبنـها بالماء ويبيعه فجاء السيل في بعض الأودية وهي واقفة ترعى فمر عليها فغرقها فجلس صاحبها يندبها فقال لها بعض بنيه يا أبت لا تندبها فان المياه التي نخلطها بلبنـها اجتمعت فغرقتها
فائدة ذكر ابن الفضل في كتاب عن وهب ابن منبه أنـه قال لما خلق الله تعالى الأرض ماجت واضطربت كالسفينة فخلق الله تعالى ملكا في نـهاية العظم والقوة وأمره أن يدخل تحتها ويجعلها على منكبيه فدخل وأخرج يدا من المشرق ويدا من المغرب وقبض على أطراف الأرض وأمسكها ثم لم يكن لقدميه قرار فخلق الله تعالى صخرة من ياقوتة حمراء في وسطها سبعة آلاف ثقب فخرج من كل ثقب بحر لا يعلم عظمـه إلا الله تعالى ثم أمر الصخرة أن تدخل تحت قدمي الملك ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق الله تعالى ثورا عظيما يقال له كيوثاء له أربعة آلاف عين ومثلها أنوف وآذان وافواه وألسنة وقوائم ما بين كل قائمتين منـها مسيرة خمسمائة عام وأمر الله تعالى هذا الثور فدخل تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونـه ثم لم يكن للثور قرار فخلق الله تعالى حوتا يقال له يهموت ثم أمره الله تعالى أن
يدخل تحته ثم جعل الحوت على ماء ثم جعل الماء على الهاء ثم جعل الهواء على ماء ايضا ثم جعل الماء على الثرى على الظلمة ثم انقطع علم الخلائق
الخواص شحم البقر إذا خلط بزرنيخ أحمر طرد العقارب وإذا طلي بـه إناء اجتمعت البراغيث إليه وإذاشرب لبنـها زاد في الانعاظ وقرنـها إذا سحق وجعل في طعام صاحب الحمى فأكله زالت الحمى ومرارتها إذا خلطت بماء الكراث نفعت من البواسير طلاء وإذا طلي بـه عل الأثر الأسود في البدن ازاله وخصيه الفحل إذا جففت وسحقت وجعلت في عسل وأكلت فانـها تزيد في الباه وشعرها إذا احرق واستيك بـه نفع من وجع الاسنان وإذا خلط مع السكنجيين وشرب نفع من الطحال على ما ذكر ( بومة ) وكنيتها أم الخراب وأم الصبيان ومن طبعها أن تدخل على كل ير في وكره وتأكل أفراخه ولمعاداة الطيور لها يجعلها الصيادون في أشراكهم حتى يقع عليها الطير ونقل المسعودي عن الجاحظ أن البرمة لا تخرج بالنـهار خوفا من العين لأنـها تظن أنـها حسناء وهي أصناف وكلها تحب الخلوة بنفسها
الخواص من خواصها أنـها تنام باحدى عينيها والاخرى مفتوحة فإذا أخذت المفتوحة وجعلت تحت فص خاتم فمن لبسه لم ينم ما دام في يده وعكسها المغموضة وإذا أردت معرفة ذلك فالقهما في الماء فالراسبة للنوم والطافية لليقظة وإذا أخذ قلب البومة وجعل على الي اليسرى من المرأة وهي نائمة تحدثت بجميع بجميع ما فعلته في نومـها ( بوقير ) طير أبيض يأتي منـه في كل سنة طائفة إلى جبل بالصعيد يقال له جبل الطير فيه كوة فتجخهل من تلك الكوة فيمسك منـها شيء فان أمسكت واحدة كان ذل العام متوسط الخصب وان أمسكت اثنتين كان كثير الخصب وإن لم تمسك شيئا كانت السنة مجذبة وأهل تلك الناحية تعرف ذلك وهذا الجبل بالقرب من بلدة مارية أم ابراهيم ولد النبي
( حرف التاء ) ( تمساح ) حيوان عجيب على صورة الضب له فم واسع وفيه ستون نابا وقيل ثمانون وبين كل نابين سن صغيره وهي انثى في
ذكر إذا أطبق فمـه على شيء لا يفلته حتى يخلعه من موضعه وله لسان طويل وظهر كالسلحفاة ولا يعمل الحديد فيه وله أربعة أرجل وذنب طويل وهو لا يوجد إلا بنيل مصر وقال المسافرون أنـه يوجد ببحر الهند وطوله في الغالب ستة أذرع إلى عشرة في عرض ذراعين أو ذراع ويقيم في البحر تحت الماء أربعة أشـهر لا يظهر وذلك في زمن الشتاء ويتغوط من فيه في الغالب ويحصل في فيه الدود فيؤذيه فيلهمـه الله تعالى فيخرج إلى بعض الجزائر ويفتح فاه فيرسل الله تعالى له طيرا يقال له القطقاط فيدخل في فيه فيأكل ما فيه من الدود فيحصل له راحة فعند ذلك يطبق فمـه على الطير ليأكله فيضربه بريشتين خلقهما الله تعالى في جناحيه كريشة الفصاد فيؤلمـه فيفتح فاه فيخرج ولذلك يضرب بـه المثل فيقال جازه مجازاة التماح وزعم بعض الباحثين عن أحوال التمساح أن له ستين نابا وستين عرقا ويسفد ستين مرة ويبيض ستين بيضة ويحضن ذلك ستين يوما ويعيش ستين سنة فإذا أفرخ فما صعد لجبل صار ورلا وما نزل البحر صار تمساحا وفكه الأسفل لا يستطيع تحريكه لأن فيه عظما متصلا بصدره وإذا أراد السفاد أخذ انثاه وطلع بها إلى البر وقلبها وجامعها فإذا قضى حاجته قلبها ثانيا لأنـه لو تركها على تلك الحالة بقيت حتى تموت وما ذلك إلا أنـها لا تستطيع الانقلاب ليبوسة ظهرها وصلابته وقد سلط الله تعالى عليه أضعف الحيوان وهو كلب الماء يقال انـه يتبلط بالطين ويغافل التمساح ويقذف بنفسه في فيه فيبتلعه لنعومته فإذا حصل في جوفه ذاب ا عليه من سخونة بطنـه فيعمد إلى أمعائه فيقطعها ويقطع مراق بطنـه فيقتله
الخواص عينـه تشد على من بـه رمد اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وشحمـه إذا قطر في أذن من بـه صم نفعه
( تنين ) ضرب من الحيات وهو طويل كالنخلة السحوق وجسده كالليل أحمر العينين لهما بريق واسع الفم والجوف يبتلع الحيوان وأول أمره يكون حية متمردة ثم تطغى وتتسلط على حيوان البر فيستغيث منـها فيأمر الله تعالى ملكا فيحملها ويلقيها في البحر فتقيم فيه مدة ثم تتسلط على حيوانـه
فيستغيث منـها إلى ربه فيأمر الله تعالى بإلقائها في النار فيعذب بها الكافرين وقيل يأمر الله تعالى بإلقائها على يأجوج ومأجوج وروى ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنـه قال سمعت رسول الله يقول يسلط الله على الكافرين في قبره تسعه وتسعين تنينا تنـهشـه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو أن تنينا نفخ على الأرض ما نبتت فيها خضراء
( حرف الثاء ) ( ثعلب ) وهو معروف ذو مكر وخديعة وله حيل في طلب الرزق فمن ذلك أن يتماوت وينفخ بطنـه ويرفع قوائمـه حتى يظن أنـه مات فإذا قرب منـه حيوان وثب عليه وصاده وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد
ومن حيلته انـه إذا تعرض للقنفذ نفش القنفذ شوكه فيسلح هو عليه فيلم شوكه فيقبض على مراق بطنـه ويأكله وسلحه أنتن من سلح الحباري
ومن لطيف أمره أنـه إذا تسلطت عليه البراغيث حملها وجاء إلى الماء وقطع قطعة من صوفه وجعلها في فيه ونزل في الماء والبراغيث تطير قليلا قليلا حتى تجمتع في تلك الصوفة فيلقيها في الماء ويخرج وفروه أدفى الفرا وفيه الأبيض والرمادي وغير ذلك وذكر في عجائب المخلوقات أنـه أهدى إلى أبي منصور الساماني ثعلب له جناحان من ريش إذا قرب الانسان منـه نشرهما وإذا بعد لصقهما
لطيفة ذكر ابن الجوزي في آخر كتاب الأذكياء والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء عن الشعبي أنـه قال مرض الأسد فعادته السباع والوحوش ما خلا الثعلب فنم عليه الذئب فقال الأسد إذا حضر فاعلمني فلما حضر الثعلب أعلمـه الذئب بذلك وكان قد أخبر بما قاله الذئب فقال الأسد أين كنت يا أبا الفوارس ؟ قال كنت أتطلب لك الدواء قال وأي شيء أصبته ؟ قال قيل لي خرزة في عرقوب أبي جعد قال فضرب الأسد بيده في ساق الذئب فأدماه ولم يجد شيئا فخرج ودمـه يسيل على رجله وانسل الثعلب فمر بـه الذئب فناداه يا صاحب الخف الأحمر
قعدت عند ملوك فانظر ما يخرج منك فإن المجالس بالأمانات وقيل خرج الأسد والثعلب والذئب يتصيدون فاصطادوا حمار وحش وضبا وغزالا ثم جلسوا يقتسمون فقال الأسد للذئب اقسم علينا فقال حمار الوحش لي والغزال لأبي الحرث والضب للثعلب فضربه الأسد في فرضخمـها فقال الثعلب أنا أقسم حمار الوحش لأبي الحرث يتغذى بـه والغزال لأبي الحرث يتعشى بـه والضب لأبي الحرث يتنقل بـه فيما بين ذلك فقال له الأسد لله درك من فرضي ما أعلمك بالفرائض من علمك هذا قال علمني التاج الأحمر الذي ألبسه هذا وأشار إلى الذئب
وحكي أن الثعلب مر في السحر بشجرة فرأى فوقها ديكا فقال له أما تنزل نصلي جماعة ؟ فقال إن الإمام نائم خلف الشجرة فأيقظه فنظر الثعلب فرأى الكلب فضرط وولى هاربا فناداه أما تأتي لنصلي ؟ فقال قد انتقض وضوئي فاصبر حتى أجدد لي وضوءا وأرجع
ومن العجيب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله والثعلب يصيد القنفذ فيأكله والقنفذ يصيد الأفعى فيأكلها والافعى تصيد العصفور والعصفور يصيد الجراد والجراد يصيد الزنابير والزنابير تصيد النحل والنحل تصيد الذباب والذباب يصيد البعوض والبعوض يصيد النمل والنمل يأكل كل ما تيسر من صغير وكبير فتبارك الله الذي أتقن ما صنع
الخواص رأسه إذا ترك في برج هرب ال منـه ونابه يشـهد على الصبي بحسن خلقه ومرارته تجعل منـها في أنف المصروع يبرأ ولحمـه ينفع من اللقوة والجذام وخصيته تشد على الصبي تنبت أسنانـه وفروه أنفع شيء للمربوط ودمـه إذا جعل على رأس أقرع نبت شعره لذا كان دون بلوغ وطحاله يشد على من بـه وجع الطحال يبرأ ( ثعبان ) هو الكبير من الحيات ذكرا كان أو انثى وهو عجيب الشأن في هلاك بني آدم يلتوي على ساق الانسان فيكسرها وليس له عدو إلا النمس ولولا النموس لأكلت الثعابين أهل مصر
لطيفة قيل إن عبد الله بن جدعان كان في ابتداء أمره صعلوكا وكان شريرا يفتك ويقتل وكان أبوه يعقل عنـه فضجر من ذلك وأراد قتله فخرج هاربا على وجهه فتوصل لجبل فوجد فيه شقا فدخل فيه فوجد في صدره شيا كهيئة الثعبان فدنا منـه وقال لعله يثب علي فيقتلني وأستريح قال فدنا منـه فوجده مصنوعا من ذهب وعيناه ياقوتتان ثم وجد من داخله بيتا فيه جثث طوال بالية على أسرة الذهب والفضة وعند رؤوسهم لوح مكتوب فيه تاريخهم وإذا بهم رجال من جرهم وفي وسط البيت كوم من الياقوت الأحمر والزمرد والذهب والفضة واللؤلؤ فأخذ منـه قدر ما يحل وعلم الشق وذهب إلى قومـه فأغناهم ورجع فلم يدر مكان الشق قال رسول الله لقد كنت أستظل بجفنة عند عبد الله بن جدعان من الهجير قالت عائشة يا رسول الله هل ينفعه ذلك شيئا ؟ قال لا لأنـه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
( حرف الجيم ) ( جراد ) حيوان معروف وليس له جهة مخصوصة وإنما يكون هائما هاربا وإذا أراد أن يبيض ذهب إلى بعض الصخور فضربها بذنبه فتنفرج له فيلقي بيضه فيها وله ستة أرجل وطرفا أرجله كالمنشار وهو ألوان عديدة وفيه خلقة عشرة من الجبابرة وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا إبل وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذ جمل ورجلا نعامة وذنب حية وهومن الحيوان الذي ينقاد إلى رئيسه كالعسكري إذا ظن أميره تتابع خلعه وفي الحديث ان جراده وقعت بين يدي رسول الله فإذا مكتوب على جناحها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسعة وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا بما فيها فقال عليه الصلاة و السلام " اللهم اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشـهم انك سميع الدعاء " قال فجاء جبريل فقال أنـه قد استجيب لك في بعضها وفي الحديث أن رسول الله قال ان الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منـها في البحر وأربعمائة في البر وان أول هلاك هذه الامة الجراد فإذا هلك الجراد تتابعت الامم مثل الدر إذا قطع سلكه قيل
طعام يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام الجراد وقلوب الشجر وكان يقول من أنعم منك يا يحيى وقد أجمع المسلمون على أكل لحمـه ومن خواصه إن الإنسان إذا تبخر بـه نفعه من عسر البول ( جرو ) بكسر الجيم وفتحها وضمـها وهو الصغير من أولاد الكلاب والسباع وقد كان أمر بقتل الكلاب وسببه أن جبريل عليه السلام وعده ليأتيه فتأخر قال فلقيه النبي بعد ذلك فقال ما أخرك عن وعدك فقال ما تأخرت ولكن لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب فأمر بقتلها وروى مسلم والطبراني عن خولة بزيادة ولفظها أن جروا دخل تحت سرير لي بيته فمات فمكث النبي أياما لا يأتيه الوحي قال لعله حدث في البيت شيء فخرج للمسجد فنزل عليه الوحي قالت خولة فقمت للبيت فوجدت الكلب تحت السرير
عجيبة حكي أن رجلا لم يولد له ولدفكان يأخذ أولاد الناس فيقتلهم فنـهته زوجته عن ذلك وقالت يؤاخذك الله بذلك فقال لو آخذ لفعل في يوم كذا وصار يعدد افعاله لها فقالت له إن صاعك لم يمتلئ ولو امتلأ آخذك قال فخرج ذات يوم وإذا بغلامين يلعبان ومعهما جرو فأخذهما الرجل ودخل البيت فقتلهما وطرد الجرو قال فطلبهما أبوهما فلم يجدهما فانطلق إلى نبي لهم فأخبره بذلك فقال ألهما لعبة كان يلعبان بها قال جرو كلب قال ائتني بـه فأتاه بـه فجعل خاتمـه بن عينيه ثم قال له اذهب خلفه فأي بيت دخله ادخل معه فإن اولادك فيه قال فجعل الجرو يجوب الدروب والحارات حتى دخل بيت القاتل فدخل الناس خلفه وإذا بالغلامين متعفران بدمـهما وهو قائم يحفر لهما مكانا يدفنـهما فيه فامسكوه وأتوا بـه لنبيهم فأمر بصلبه فلما رأته زوجته على الخشبة قالت ألم أحذرك من هذا اليوم تقول ما تقول الآن امتلأ صاعك وسيأتي الكلام على الكلب في حرف الكاف إن شاء الله تعالى
( جعل ) دويبة معروفة تسمى أبا جعران والزعقوق يعض البهائم في وجهها فتهرب منـه وهو أكبر من الخنفساء شديد السواد في بطنـه لون حمرة للذكر قرنان يوجد كثيرا في مراح البقر والجاموس قيل إنـه يتولد من أخثائها
شأنـه جمع الروث وادخاره ومن عجيب أمره أنـه إذا شم الورد مات ويعيش بعوده للروث وله جناحان لا يكادان يريان إلا إذا طار وله ستة أرجل وسنام مرتفع جدا وهو يمشي القهقري ومن طبعه أنـه يحرس النيام فإذا قام أحدهم يتغوط تبعه ليأكل من رجعية وذلك من شدة ه للغائط
( حرف الحاء ) ( حجل ) طير فوق الة أغبر اللون أحمر المنقار والرجلين يسمى دجاج البر وهو صنفان نجدي وتهامي النجدي أغبر والتهامي أبيض وله شدة الطيران وإذا تقاتل ذكر أن تبعث الانثى الغالب له شدة شبق وافراخه تخرج من البيض كاسية ويعمر في الغالب عشرين سنة وإذا قوي على غيره أخذ بيضه فحضنـه ومن سر الله تعالى أنـه إذا أفرخ ذلك البيض تبع الفرخ أمـه التي باضته ومن طبعه أنـه يخدع غيره في قرقرته ولذلك يتخذه الصيادون في إشراكهم
غريبة قيل أن أبا نضر بن مروان أكل مع بعض مقدمي الأكراد فأتى على سماطه بحجلتين مشؤيتين فلما رآها ضحك فقال مم تضحك ؟ قال كنت اقطع الطريق في عنفوان شبابي فمر بي تاجر فأخذته فلما أردت قتله تضرع إلي فلم أقتله فلما علم أنـه لا بد لي من قتله التفت يمينا وشمالا فرأى حجلتين كانتا بقربنا فقال اشـهدا لي أنـه قاتلي ظلما فقتلته فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه في استشـهاده بهما فقال أبو نصر والله لقد شـهدتا عليك عند من أقادك بالرجل ثم أمر بـه فضربت عنقه
الخواص لحمـها جيدة معتدل الهضم ومرارتها تنفع الغشاوة في العين وإذا سعط بها إنسان في كل شـهر مرة جاد ذهنـه وقل نسيانـه وقوي بصره ( حدأة ) بكسر الحاء وفتح الدال مع همزة أخس الطير وتبيض بيضتين وربما باضت ثلاثا وتحضن عشرين يوما ومن ألوانـها الأسود والرمادي وهي لا تصيد الا خطفا وفي طبعها أنـها تقف في الطيران وهي أحسن الطير مجاورة لانـها اذا جاعت لاتأكل أفراخ جارها ويقال إنـها طرشاء وفي طبعها
أنـها لا تخطف من الجهة اليمنى لانـها عسراء وهي سنة ذكر وسنة انثى كالأرنب
( عجيبة ) روى الحافظ السلفي في فضائل الأعمال أن عاصم بن أبي النجود شيخ القراء في زمانـه قال أصابتني خصاصة فجئت الى بعض اخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من منزله الى الجبانة فصليت ما شاء الله ثم وضعت رأسي على الأرض وقلت يا سامع الأصوات يا مجيب الدعوات يا قاضي الحاجات اكفني بحلالك عن حرامك وأغنيني بفضلك عمن سواك قال فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فإذا بحدأة قد طرحت كيسا أحمر فقمت فأخذته فإذا فيه ثمانون دينارا وجوهرة ملفوفة في قطن قال فاتجرت بذلك واشتريت لي عقارا وتزوجت
الخواص مرارتها تجفف في الظل وتنقع في إناء زجاج فمن لسع قطر منـها في ذلك الموضع واكتحل مخالفا لجهة اللسع ثلاثة أميال أبرأته ودسمـها إذا خلط بقليل من المسك وماء الورد وشرب على الريق نفع من ضيق النفس وإذا وضع في بيت لم تدخله حية ولا عقرب
( حرباء ) دويبة صغيرة على هيئة السمك ورأسها تشبه رأس العجل إذا رأت الإنسان انتفشت وكبرت ولها أربعة أرجل وسنام كهيئة الجمل ولها كنى كثيرة منـها أم قرة ويقال لها جمل اليهود وهي أبدا تطلب الشمس فمن أجل ذلك يقال انـها مجوسية وتستقبلها بوجهها وتدور معها كيفما دارت فإذا غابت الشمس أخذت في كسبها ومعاشـها ويقال إن لسانـها طويل نحو ذراع وهو مطوي في حلقها فذلك تخطف بـه ما بعد عنـها من الذباب وتبتلعه والانثى من هذا النوع تسمى أم حبين ويقال أن الصبيان ينادونـها أم حبين انشري برديك إن الأمير ناظر إليك وضارب بسوطه جنبيك فإذا زادوا عليها نشرت جناحيها وانتصبت على رجليها فإذا ازدادوا عليها أيضا نشرت أجنحة أحسن من تلك ملونة وإذا مشت تطأطئ برأسها وتتلون ألوانا ولذا يقال يتلون كالحرباء
( حمار أهلي ) معروف ليس في الحيوان من ينزو على غير إلا هو والفرس ونزوه بعد تمام ثلاثين شـهرا وكنيته أبو محمود وأبو جحش وغير ذلك وهو أنواع فمنـه ما هو لين الأعطاف سريع الحركة ومنـه ما هو بضد ذلك ويوصف بالهداية إلى سلوك الطريق
( لطيفة ) في الحديث عن النبي أنـه لما فتح خيبر أصاب حمارا أسود فكلمـه فقال ما اسمك فقال يزيد بن شـهاب أخرج الله تعالى من نسل جدي ستين حمارا كلها لا يركبها إلا نبي ولم يبق من الأنبياء غيرك وكنت أتوقعك لتركبني وأنا عند يهودي يجيع بطني ويضرب ظهري وكنت أعثر بـه عمدا فمساه النبي يعفورا وقال له أتشتهي الاناث ؟ قال لا وكان يركبه في حوايجه وإذا أراد حاجة عند إنسان أرسله اليه فيدفع الباب برأسه فيخرج صاحب البيت فيعرفه ويقضي حاجته فلما مات النبي ذهب الى بئر كانت لأبي الهيثم فتردى فيها جزعا على النبي فكانت قبره وقيل هذا الحديث منكر وقد ذكره السهيلي في التعريف والاعلام وللناس في ذمـه ومدحه أقوال متباينة بحسب الأغراض فمن مدحه أن أبا صفوان وجد راكبا على حمار فقيل له في ذلك فقال عير هي من نسل الاكراد يحمل الرجل ويبلغ العقبة ويمنعني أن أكون جبارا في الأرض وقال آخر وأقل الدواب مؤنة وأكثرها معونة وأخفضها مـهوى وأقربها مرتعا وكان حمار أبي يسارة مثلا في الصحة والقوة وهو حمار أسود حمل الناس عليه من منى إلى المزدلفة أربعين سنة وكان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار ويجعلان أبا يسارة قدوة لهما وحجة ومن ذمـه ما نقل عن عبد الحميد الكاتب انـه قال لا تركب الحمار فإنـه إ ن كان فارها أتعب يدك وإن كان بليدا اتعب رجلك وقيل ما ينبغي لمركب الدجال أن يكون مركبا للرجال وقال أعرابي الحمار بئس المطية إن أوقفته أدلى وأن تركته ولى كثير الروث قليل الغوث سريع إلى الفرارة بطيء في الغارة لا توقي بـه الدماء ولا تمـهر بـه النساء ولا يحلب في الإناء قال الزمخشري
( إن الحمار ومن فوقه ... حماران شرهما الراكب )
العرب من لا يركبه أبدا ولو بلغت بـه الحاجة والجهد
فيل كان لرجل بالبادية حمار وكلب وديك فالديك يوقظه للصلاة والكلب يحرسه إذا نام والحمار يحمل أثاثه إذا رحل قال فجاء الثعلب فأكل الديك فقال عسى أن يكون خيرا ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عسى أن يكون خيرا ثم جاء الذئب فبقر بطن الحمار فقال عسى أن يكون خيرا قال ثم إن جيرانـه من الحي أغير عليهم فأخذوا فأصبح ينظر إلى منازلهم وقد خلت فقيل لهم إنما أخذوا بأصوات دوابهم فقال إنما كانت الخيرة في هلاك ما عندي فمن عرف لطف الله رضي بفعله
( ) هو أنواع كثيرة والكلام في الذي ألف البيوت وهو قسمان أحدهما بري وهو الذي يوجد في القرى والآخر أهلي وهو أنواع وأشكال فمنـه الرواعب والمراعيش والشداد والغلاب والمنسوب ومن طبعه أنـه يطلب وكره ولو كان في مسافة بعيدة ولا جل ذلك يحمل الأخبار ومنـه من يقطع عشرة فراسخ في يوم واحد وربما صيد وغاب عن وطنـه عشر سنين وهو على ثبات عقله وقوة حفظه حتى يجد فرصة فيطير ويعود إلى وطنـه وسباع الطير تطلبه أشد الطلب وخوفه من الشاهين أشد من غيره وهو أطير منـه لكن إذا أبصره يعتريه ما يعتري الحمار إذا رأى الأسد والشاة إذا رأت الذئب والفأر إذا رأى الهر ومن طبعه أنـه لا يريد إلا ذكره إلى أن يهلك أو يفقد أحدهما ويحب الملاعبة والتقبيل ويسفد لتمام أربعة أشـهر ويحمل أربعة عشر يوما ويبيض بيضتين ويحضن عشرين يوما ويخرج من إحدى البيضتين ذكر والأخرى أنثى واتخاذها في البيوت لا بأس بـه غير أنـه لا يجوز تطييرها والاشتغال بها والارتقاء بها على الأسطحة وعليه حمل أمل العلم قوله عليه الصلاة و السلام ( شيطان يتبع شيطانة حين رأى شخصا يتبع ة فإن لم يحصل شيء مما ذكر جاز اتخاذها قال رسول الله ( اتخذوا ال في بيوتكم فإنـها تلهي الجن عن صبيانكم واللعب بها من عمل قوم لوط ) وقال النخعي من لعب بال لم يمت حتى يذوق ألم الفقر ولم يوجد شيء أبله من ال فإنـه
تؤخذ أفراخه فتذبح في مكان ثم يعود في ذلك المكان ويبيض فيه ويفرخ وقال الجاحظ ولل من الفضيلة والفخر أن الة قد تبتاع بخمسمائة دينار ولم يبلغ ذلك القدر شيء من الطير وغيره وهو الهادر الذي جاوز الغاية قالوا ولو دخلت بغداد والبصرة وجدت ذلك بلا معاناة ولو حدثت أن برذونا أو فرسا بيع بخمسمائة دينار لكان ذلك سمرا وقد تباع البيضة الواحدة من بيض ذلك ال بخمسة دنانير والفرخ بعشرين فمن كان له زوج منـه قام في الغلة مقام ضيعة وأصحابه يبنون من أثمانـه الدور والحوانيت وهو مع ذلك ملهى عجيب ومنظر أنيق
الخواص دمـه ينفع الجراحات العارضة للعين والغشاوة ويقطع الرعاف ويبرئ حرق النار إذا خلط بالزيت منـه وزبل الأحمر ينفع للسع العقرب إذا وضع عليه وإذا شرب منـه مقدار درهمين مع ثلاثة دراهم دار صيني نفع من الحصاة
( حرف الخاء ) ( الخطاف ) أنواع كثيرة فمنـه نوع دون العصفور رمادي اللون يسكن ساحل البحر ومنـه ما لونـه أخضر وتسميه أهل مصر الخطار ونوع طويل الأجنحة رقيق يألف الجبال ونوع أصفر يألف المساجد يسميه الناس السنونو وزعم بعضهم أنـه الطير الأبابيل ويقال أن آدم عليه الصلاة و السلام لما أهبط إلى الأرض حصل له وحشة فخلق الله له هذا الطير يؤنسه فلأجل ذلك لا تجدها تفارق البيوت وهي تبني بيتها في أعلى مكان بالبيت وتحكم بنيانـه وتطينـه فإن لم تجد الطين ذهبت إلى البحر فتمرغت في التراب والماء وأتت فطينته وهي لا تزبل داخله بل على حافته أو خارجا عنـه وعنده ورع كثير لأنـه وإن ألف البيوت لا يشارك أهلها في أقواتهم ولا يلتمس منـهم شيئا ولقد أحسن واصفه حيث يقول
( كن زاهدا فيما حوته يد الورى ... تبقى إلى كل الأنام حبيبا )
( وانظر إلى الخطاف حرم زادهم ... أضحى مقيما في البيوت ربيبا )
شأنـه إنـه لا يفرخ في عش عتيق بل يجدد له عشا وأصحاب اليرقان يلطخون أفراخه بالزعفران فيذهب فيأتي بحجر اليرقان ويلقيه في عشـه لتوهمـه أن اليرقان حصل لأولاده وهو حجر صغير فيه خطوط يعرفه غالب الناس فعند ذلك يأخذه من بـه اليرقان ويحكه ويستعمله ومن عجيب أمره إنـه يكاد يموت من صوت الرعد وإذ عمي ذهب إلى شجرة يقال لها عين شمس فيتمرغ فيها فيفيق من غشوته ويفتح عينيه
لطيفة قيل إن خطافا وقف على قبة سليمان وتكلم مع خطافة وراودها عن نفسها فامتنعت فقال بها تتمنعين مني ولو شئت قلبت هذه القبة قال فسمع سليمان فدعاه وقال ما حملك على ما قلت ؟ فقال يا نبي الله إن العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم
الخواص مرارته تسود الشعر ولحمـه يورث السهر وقلبه يهيج الباه إذا أكل جافا ودمـه يسكن الصداع خفاش طير يوجد في الأماكن المظلمة وذلك بعد الغروب وقبل العشاء لأنـه لا يبصر نـهارا ولا في ضوء القمر وقوته البعوض وهذا الوقت هو الذي يخرج فيه البعوض أيضا لطلب رزقه فيأكله الخفاش فيتسلط طالب رزق على طالب رزق وهو من الحيوان الشديد الطيران قيل إنـه يطير الفرسخين في ساعة وهو يعمر مثل النسر وتعاديه الطيور فتقتله لأنـه قيل إن عيسى عليه الصلاة و السلام لما سأله النصارى في طير لا عظم فيه صنع لهم ذلك بإذن الله تعالى فهي تكرهه لأنـه مباين لخلقتها ومن طبعه الحنو على ولده حتى قيل إنـه يرضعه وهو طائر ( خنزير ) حيوان معروف وله كنى كثيرة منـها أبو جهم وأبو زرعة وأبو دلف وهو مشترك بين البهيمة والسبع لأنـه ذو ناب ويأكل العشب والعلف وهو كثير الشبق حتى قيل أنـه يجامع الأنثى وهي سائرة فيرى في مشيها ستة أرجل فيتوهم الرائي إنـه حيوان بستة أرجل وليس كذلك والذكر مثله فمن غلب استقل بالنزو على الأنثى وتحرك أذنابها في زمن هيجانـها وتطأطئ رأسها وتغير أصواتها وتحمل من نزوة واحدة وتحمل ستة أشـهر وتضع عشرين ولدا وينزوا الذكر إذا بلغ ستة أشـهر وقيل أربعة باختلاف البلاد وقيل ثمانية وإذا بلغت
الأنثى خمس عشرة سنة ولا تحمل وهذا الجنس أفسد الحيوان والذكر أقوى الفحول وليس لذوات الأربع ما للخنزير في نابه من القوة حتى قيل إنـه يضرب بـه السيف والرمح فينقطع ما لافاه وإذا التقى ناباه من الطول مات لأنـهما حينئذ يمنعانـه من الأكل ومن عجيب أمره أنـه ياكل الحيات ولا يؤثر فيه سمـها وإذا عض كلبا سقط شعره وإذا مرض واطعم السرطان يفيق ومن عجيب أمره أنـه إذا ربط على ظهره حمار وبال الحمار وهو على ظهره مات ولا يسلخ جلده إلا بالقلع مع شيء من لحمـه على ما ذكروا ( خنفساء ) دويبة تتولد من عفونات الأرض وبينـها وبين العقرب مودة وكنيتها أم فسو لأن كل من وضع يده عليها يشم رائحة كريهة
فائدة قيل إن رجلا رأى خنفساء فقال ما يصنع الله بهذه فابتلاه الله تعالى بقرحة عجز الأطباء فيها فبينما هو ذات يوم إذا بطرقي يقول من بـه وجع كذا إلى أن قال من بـه قرحة فخرج إليه ذلك الرجل فلما رأى ما بـه قال ائتوني بخنفساء فضحك منـه الحاضرون فقال ائتوه بالذي يطلب فأتوه بها فأخذها فأحرقها وأخذ رمادها وجعل منـه على تلك القرحة فبرئت فعلم ذلك المقروح أن الله تعالى ما خلق شيئا سدى وأن في أخس المخلوقات أهم الأدوية فسبحان القادر على كل شيء
الخواص إذا قطعت رؤوس الخنافس وجعلت في برج ال كثر ال في ذلك البرج والاكتحال بما في جوفها من الرطوبة يحد البصر ويجلو الغشاوة والبياض وإذا بخر المكان بورق الدلب هربت منـه الخنافس على ما ذكر ( خيل ) جماعة الأفراس وسميت بذلك لأنـها تختال في مشيتها وهي من الحيوان المشرف ولقد مدحها الله تعالى ووصى بها النبي عليه الصلاة و السلام فقال " الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة " وقال " عليكم باناثا الخيل فإن ظهورها عز وبطونـها كنز " وروي عن ابن عباس أو علي رضي الله عنـهما أن رسول الله قال لما أراد الله تعالى خلق الخيل أوحى إلى الريح الجنوب وقال إني
خالق منك خلقا فاجتمعي فاجتمعت فأتي جبريل فأخذ منـها قبضة فخلق الله منـها فرسا كميتا وقال خلقتك عربيا وفضلتك على سائر البهائم فالرزق بناصيتك والغنائم تقاد على ظهرك وبصهيلك أرهب المشركين وأعز المؤمنين ثم وسمـه بغرة وتحجيل فلما خلق الله تعالى آدم قال يا آدم اختر أي الدابتين الفرس أو البراق فقال الفرس يارب فقال الله تعالى اخترت عزك وعز أولادك وفي الحديث " ما من فرس إلا ويقول في كل يوم اللهم من جعلتني له فاجعلني أحب أهله إليه " وقيل الخيل ثلاثة فرس للرحمن وهي المغزو عليها وفرس لك وهي التي تسابق عليها وفرس للشيطان وهي التي جعلت للخيلاء وفي الحديث " إن الملائكة لا تحضر شيئا من اللهو إلا في مسابقة الخيل وملاعبة الرجل أهله " ولقد سابق النبي على الخيل وقيل إن الذكر من الخيل أقوى من الأنثى ولا يرد علينا ركوب جبريل في قصة موسى وفرعون الأنثى لأن ذلك من حكمة الله تعالى حتى تبعتها أحصنـهم فأغرقوا لأن الحصان إذا رأى الحجرة تبعها وقيل إن الله تعالى أمر نبيه موسى عليه الصلاة و السلام أن يعبر البحر فعبره وهم خلفه فأعمى أعينـهم عن الماء فكانوا يرون بلقعا والخيل تراه ماء فلولا جبريل البحر بفرسه لما دخلت خيلهم وهي أصناف منـها الصافنات وهي التي إذا ربطت في مكان وقفت على إحدى رجليها وقلبت بعض الأخرى في الوقوف وقيل غير ذلك وكانت الصافنات ألف فرس لسليمان عليه الصلاة و السلام فعرضها يوما ففاتته الصلاة قيل صلاة العصر فأمر بعقرها فعوضه الله عنـها الريح فكانت فرسه وقيل إنما عقرها على وجه القرى كالهدي وقيل إن الفرس لا يحب الماء الصافي ولا يضرب فيه بيده كما يضرب بها في الاء الكدر فرحا بـه فإنـه يرى شخصه في الماء الصافي فيفزعه ولا يراه في الماء الكدر وقد قيل في الحث على حب الخيل
( أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن العز فيها والجمالا )
( إذا ما الخيل ضيعها أناس ... ربطناها فأشركت العيالا )
( نقاسمـها المعيشة كل يوم ... وتكسبنا الأباعر والجمالا )
( حرف الدال ) ( دابة ) اسم لكل ما دب على الأرض وأما التي ذكرها الله تعالى في سورة سبأ فقيل الأرضة وقيل السوسة وسبب ذلك أن سليمان عليه الصلاة و السلام كان قد أمر الجن ببناء صرح فبنوه ودخل فيه وأراد أن يصفو له يوم واحد من دهره فدخل عليه شاب فقال له كيف دخلت من غير استئذان ؟ فقال أذن لي رب البيت فعلم سليمان أن رب البيت هو الله تعالى وإن الشاب ملك الموت أرسل ليقبض روحه فقال سبحان الله هذا اليوم طلبت فيه الصفاء فقال طلبت ما لم يخلق قال وكان قد بقي من بناء المسجد الأقصى بقية فقا له يا أخي يا عزرائيل امـهلني حتى يفرغ قال ليس في أمر ربي مـهلة قال فقبض روحه وكان من عادته الانقطاع في التعبد شـهرين وثلاثة ثم يأتي فنيظر ما صنعت الجن فلما قبض كان متوكئا على عصاه واستمر ذلك مدة والجن تتوهم أنـه مشرف عليها فتعمل كل يوم بقدر عشرة أيام حتى أراد الله ما أراد فسلط على العصا الأرضة فأكلتها فخر ميتا تفترقت الجن عنـه وقيل إن واحدا منـهم مر عليه فسلم فلم يجبه فدنا منـه فلم يجد له نفسا فحركه فسقطت العصا فإذا هو ميت قال وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة والعصا التي اتكأ عليها من خرنوب قال الله تعالى ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المـهين ) قال فشكرت الجن الأرضة حتى قيل أنـهم كانوا يأتونـها بالماء حيث كانت وأما الدابة التي من أشراط الساعة فاختلف في أمرها فقيل تخرج من الصفا وهو الصحيح وقيل من الطائف وقيل من الحجر وطولها ستون ذراعا ذات قوائم وهي مختلفة الألوان وذلك في ليلة يكون الناس مجتمعين بمنى أو سائرين إلى منى ومعها عصا منوسى وخاتم سليمان
لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب تلحق المؤمن فتضربه بالعصا فتكتب في وجهه مؤمن وتدرك الكافر فتسمـه بالخاتم وتكتب في وجهه كافر وروي أنـها تخرج إذا انقطع الأمر بالمعروف والنـهي عن المنكر وقل الخير
( داجن ) وهو ما يربيه الناس في البيوت من صغار الغنم وال والدجاج وغير ذلك وفي حديث الأفك ما نعلم لها قضية غير أنـها جارية حديثة السن تعجن وتنام فتأتي الداجن فتأكل العجين ( دب ) من السباع وكنيته أبو جهل وأبو جهينة وغير ذلك ولا يخرج زمن الشتاء حتى يطيب الهواء وإذا جاع يمص يديه ورجليه فيندفع جدعه وهو كثير الشبق وينعزل بانثاه وتضع جروا واحدا وتصعد بـه إلى أعلى شجرة خوفا عليه من النمل لأنـها تضعه قطعة لحم ثم لا تزال تلحسه وترفعه في الهواء حتى تنفرج أعضاؤه وتخشن ويصير له جلد وفي ولادتها صعوبة وربما ماتت منـها وقد تلده ناقص الخلق شوقا منـها للسفاد وهي من الحيوان الذي يدعو الانسان للفعل بـه وقيل إن الدب يقيم أولاده تحت شجرة الجوز ثم يصعد فيرمي بالجوز إليها إلى أن تشبع وربما قطع من الشجر الغصن العتل الضخم الذي لا يقطع إلا بالفأس والجهد ثم يشد بـه على الفارس فلا يضرب أحدا إلا قتله ( دجاجة ) وكنيتها أم ناصر الدين وأم الوليد وغير ذلك وإذا هرمت لم يبق لبيضها مخ وتوصف بقلة النوم قيل أن نومـها بقدر ما تتنفس وعندها خوف في الليل ولأجل ذلك تطلب وقت الغروب مكانا عاليا وتخشى الثعلب قيل إنـها إذا رأيته ألقت نفسها إليه من شدة الخوف ولا تخشى من بقية السباع وقيل يعرف الذكر من الأنثى بإمساك منقاره فإن تحرك فذكر وإلا فأنثى ومن الدجاج مايبيض في اليوم مرتين وهو من أسباب موتها ويستكمل خلق البيضة في بطن الدجاجة في عشرة أيام وفي الحديث أن النبي أمر باتخاذ الغنم للأغنياء وباتخاذ الدجاج للفقراء ومن العجيب في صنعة الله تعالى أن خلق الفروج من البياض وجع ل الصفار غذاء له كما خلق الطفل من المني وجعل دم الحيض غذاء له فتبارك الله أحسن الخالقين
الخواص لحم الدجاج الفتي يزيد في العقل ويصفي اللون ويزيد
في المني ويقيم الباه والمداومة عليه تورث النقرس والبواسير على ما ذكر
( دج ) طير كبير أغبر يكون بساحل البحر كثيرا وبالقرب من الإسكندرية والناس يصطادونـه ويأكلونـه ( دود ) إسم جنس ومنـه دود القز ويقال لها الهندية ومن عجيب أمرها أنـها تكون أولا مثل بزر التين ثم تصير دودا وذلك في أوائل فصل الربيع ويكون عند خروجه مثل الذر في قدره ولونـه ويخرج في الأماكن الئة إذا كان مصرورا في حق وربما تأخر خروجه فتجعله النساء تحت ثديهن بصرته فيخرج وغذاؤه ورق التوت الأبيض قال ولا يزال يكبر حتى يصير بقدر أصبع ويتنقل السواد إلى البياض وكل ذلك في مدة ستين يوما قال ثم يأخذ في النسج بما يخرجه من فيه إلى أن ينفذ ما ف جوفه ثم يخرج شيئا كهيئة الفراش له جناحان لا يسكنان من الاضطراب وعند خروجه يهيج إلى السفاد ويلصق الذكر مؤخره إلى مؤخر الأنثى ويلتحمان مدة ثم يفترقان قال ويكون قد فرش لهما خرقة بيضاء فينشران البزر عليها ثم يموتان هذا إذا أريد منـهما البزر وإن أريد الحرير تركا في الشمس بعد فراغهما من النسج فيموت وهو سريع العطب حتى إنـه ليخشى عليه من صوت الرعد والعطاس ومس المرأة الحائض والرجل الجنب ورائحة الدخان والحر الشديد والبرد الشديد ونحو ذلك قال أبو الفتح البستي
( ألم تر أن المرء طول حياته ... معنى بأمر لا يزال يعالجه )
( كذلك دود القز يسنج دائما ... ويهلك غما وسط ما هو ناسجه ) وقال آخر
( يفنى الحريص بجمع المال مدته ... وللحوادث ما يبقى وما يدع )
( كدودة القز ما تبنيه يهلكها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع )
( ديك ) وكنيته أبو حسان وأبةو حماد وغير ذلك ويسمى الأنيس والمؤانس ومن طبعه لا يألف زوجة واحدة وهو أبله الطبيعة لأنـه إذا سقط من بيت أصحابه لا يهتدي إلى الرجوع إليه وفيه من الخصال الحميدة ما لا يحصر منـها أنـه يساوي بين أزواجه في الطعمة ويذكر الله
تعالى في الليل حتى قيل إنـه ليوقته ويقسمـه وربما لا يخرم في توقيته وفي الصحيح إذا سمعتم صياح الديك فاذكروا الله تعالى فإنـه يصيح بصياح ديك للعرش وروى الغزالي عن ميمون بن مـهران أن لله ملكا تحت العرش على صورة الديك فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وقال ليقم المسملون فإذا مضى الثلث الثاني ضرب بجناحيه وقال ليقم الذاكرون فإذا كان السحر وطلع الفجر ضرب بجناحيه وقال ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم وفي الحديث ان النبي قال " إن لله ديكا أبيض له جناحان موشحان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورأسه تحت العرش وقوائمـه في الهواء فإذا كان ثلث الليل الأول خفق بجناحيه وقال سبحان الملك القدوس فإذا كان الثلث الثاني خفق بجناحيه وقال قدوس فإذا كان الثلث الثالث خفق بجناحيه وقال ربنا الرحمن الرحيم لا إله إلا هو " وروى الثعلبي اده عن النبي أنـه قال ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى صوت الديك وصوت قارئ القرآن وصوت المستغفر بالأسحار وفي الحديث " لا تسبوا الديك فإنـه يؤقت للصلاة "
وزعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لم يزل ينكب في أهله وماله
نادرة قيل كان لإبراهيم بن مزيد ديك وكان كريما عليه فجاء العيد وليس عنده شيء يضحي عليه فأمر امرأته بذبحه واتخاذ طعام منـه وخرج إلى المصلى فأرادت المرأة تمسكه ففر فتبعته فصار يخترق من سطح إلى سطح وهي تتبعه فسألها جيرانـها وهم هاشميون عن موجب ذبحه فذكرت لهم حال زوجها فقالوا ما نرضى أن يبلغ الاضطرار بأبي إسحاق إلى هذا القدر فأرسل إليه هذا شاة وهذا شاتين وهذا بقرة وهذا كبشا حتى امتلأت الدار فلما جاء ورأى ذلك قال ما هذا ؟ فقصت عليه زوجته القصة فقال إن هذا الديك لكريم على الله فإن إسماعيل نبي الله فدي بكبش واحد وهذا فدي بما أرى
( حرف الذال ) ( ذباب ) وكنتيه أبو جعفر وهو أصناف كثيرة يتولد من العفونة ومن عجيب أمره أنـه يلقي رجيعه على الأبيض يسود وعلى الأسود يبيض ولا يقعد على شجرة الدباء وفي الحديث " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه دواء وفي الأخرى داء وإن من طبعه أن يلقي نفسه بالجناح الذي فيه الداء
وحكي أن المنصور كان جالسا فألح عليه الذباب حتى أضجره فقال انظروا من بالباب من العلماء فقالوا مقاتل بن سليمان فدعا بـه ثم قال له هل تعلم لأي حكمة خلق الله الذباب ؟ قال ليذل بـه الجبابرة قال صدقت ثم أجازه ومن خصائص النبي أنـه كان لا يقع عليه ذباب قط وقال المأمون قالوا أن الذباب إذا دلك بـه موضع لسعة الزنبور سكن ألمـه فلسعني زنبور فحككت على موضعه أكثر من عشرين ذبابة فما سكن له ألم فقالوا هذا كان حتفا قاضيا ولولا هذا العلاج لقتلك
وقال الجاحظ من منافع الذباب أنـها تحرق وتخلط بالكحل فإذا اكتحلت بـه المرأة كانت عينـها أحسن ما يكون وقيل إن المواشط تستعمله ويأمرن بـه العرائس وقيل إن الذباب إذا مات وألقي عليه برادة الحديد عاش وإذا بخر البيت بورق القرع هرب منـه الذباب
( ذئب ) حيوان معروف وكنيته أبو جعدة وأبو جاعد وأبو ثمامة لونـه رمادي وهو من الحيوان الذي ينام بأحدى عينيه ويحرس بالأخرى حتى تمل فيغمضها ويفتح الأخرى كما قال بعض واصفيه
( ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع ) وإذا أراد السفاد اختفى ويطول في سفاده كالكلب وإذا جاع عوى فتجمع الذئاب حوله فمن هرب منـها أكلوه وإذا خاف منـه الإنسان طمع فيه وليس في الأرض أسد يعض على عظم إلا ويسمع
لتكسيره صوت بين لحييه إلا الذئب فإن لسانـه يبري العظم بري السيف ولا يسمع له صوت وقيل إذا أدماه الأنسان فشم الذئب رائحة الدم لا يكاد ينجو منـه وإن كان أشد الناس قلبا وأتمـهم سلاحا كما أن الحية إذا خدشث طلبها الذر فلا تكاد تنجو منـه وكالكلب إذا عض الإنسان يطلبه الفأر فيبول عليه فيكون في ذلك هلاكه فيحتال له بكل حيلة وقيل لا يعرف الالتحام عند السفاد إلا في الكلب والذئب وإذا هجم الصياد على الذئب والذئبة وهما ينسافدان قتلهما كيف شاء والله أعلم
( حرف الراء ) ( رخ ) طير عظيم الخلقة يوجد بجزائر الصين قال أبو حامد الأندلسي ذكر لي بعض المسافرين في البحر أنـهم أرسوا بجزيرة فلما أصبحوا وجدوا في طرفها لمعانا وبريقا فتقدموا إليه وإذا هم بشيء مثل القبة قال فجعلوا يضربون فيه بالفؤوس إلى أن كسروه فوجدوه كهيئة البيضة وفيه فرخ عظيم قال فتعلقوا بريشـه وجروه ونشبوا القدور وخرجوا يحتطبون من تلك الحزيرة حطبا يقال له حطب الشباب فلما أكلوا ذلك الطعام اسودت لحية ولمة كل ذي شيب قال فلما أصبحوا جاءهم الرخ فوجدهم قد صنعوا بفرخه ما صنعوا فذهب وأتى في رجليه بحجر عظيم وتبعهم بعدما ساروا في البحر وألقاه على سفينتهم فسبقت السفينة وكانت مشرعة بتسع قلوع ووقع الحجر في البحر فنجاهم الله تعالى منـه وكان ذلك من لطف الله تعالى بهم قال وقد كان بقي معهم أصل ريشة قيل إنـهم كانوا يجعلون فيها الماء فتسع مقدار قربة فسبحان الخالق الأكرم ( رخم ) طير أغبر أصفر المنقار معروف وهو من أشر الطيور ويقال أنـها صماء وسبب ذلك ما قيل في بعض الحكايات إن موسى عليه الصلاة و السلام لما مات تكلمت بموته وكانت تعرف مكانـه فأصمـها الله تعالى حتى لا ترشد أحدا إلى موضعه
( حرف الزاي ) ( زرافة ) حيوان غريب الخلقة ولما كان مأكولها ورق الشجر خلق الله تعالى يديها أطول من رجليها وهي ألوان عجيبة يقال إنـها متولدة من ثلاث حيوانات الناقة الوحشية والنقرة الوحشية والضبع فينزو الضبع على الناقة فيأتي بذكر فينزو ذلك الذكر على البقرة فتتولد منـه الزرافة والصحيح أنـها خلقة بذاتها ذكر وأنثى كبقية الحيوانات لأن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا بحكمة
( زنبور ) حيوان فوق النحل له ألوان وقد أودعه الله حكمة في بنيانـه بيته وذلك أنـه يبنيه مربعا له أربعة أبواب كل باب مستقبل جهة من الرياح الأربع فإذا جاء الشتاء دخل تحت الأرض ويبقى إلى أيام الربيع فينفخ الله تعالى فيه الروح فيخرج ويطير وفي طبعه التهافت على الدم واللحم ومن خاصيته أنـه إذا وضع في الزيت مات وفي الخل عاش ولسعته تزال بعصارة الملوخية
( حرف السين ) ( سعلاة ) نوع من المتشيطنة قال السهيلي هو حيوان يتراءى للناس بالنـهار ويغول بالليل وأكثر ما يوجد بالغياض وإذا انفردت السعلاة بإنسان وأمسكته صارت ته وتلعب بـه كما يلعب القط بالفأر قال وربما صادها الذئب وأكلها وهي حينئذ ترفع صوتها وتقول أدركوني فقد أخذني الذئب وربما قالت من ينقذني منـه وله ألف دينار وأهل تلك الناحية يعرفون ذلك فلا يلتفتون إلى كلامـها
( سمندل ) حيوان يوجد بأرض الصين ومن عجيب أمره أنـه يبيض في النار ويفرخ فيها ويؤخذ وبره فينسج ويجعل منـه المناشف وهذه المناشف إذا اتسخت جعلت في النار فتأكل النار وسخها ولا تحرقها حكي أن شخصا بل واحدة من هذه المناشف بالزيت وجعلت في النار وأوقدت ساعة ولم تحترق ( سنجاب ) حيوان كهيئة الفأر يوجد في بلاد الترك على قدر اليربوع إذا أبصر الإنسان هرب منـه وشعره كشعر الفأر وهو ناعم فيؤخذ ويسلخ جلده ويجعل فروا يلبس وطبعه
موافق لكل طبع وأحسنـه الأزرق ( سنور ) حيوان متواضع ألوف خلقه الله تعالى لدفع الفأر والحشرات كناه وأسماؤه كثيرة
حكي أن أعرابيا صاد سنورا فرآه شخص فقال ما تصنع بهذا القط ؟ ولقيه آخر فقال ما تصنع بهذا الخيدع ولقيه آخر فقال ما تصنع بهذا الهر ؟ قال أبيعه قال بكم ؟ قال بمائة درهم فقال إنـه يساوي نصف درهم قال فرمى بـه وقال لعنـه الله ما اكثر أسماءه وأقل قيمته وهذا الحيون يهيج في زمان الشتاء في شـهرين منـه وتراهن يترددن صارخات في طلب السفاد فكم من حرة خجلت وذي غيرة هادت حميته وعزب تحركت ه وطيب فم النسور كطيب فم الكلب في النكهة وقيل أن الهرة تحمل خمسين يوما وهو يجمع بين العض والناب والخمش بالمخلاب وليس كل سبع كذلك وهو يناسب الانسان في بعض الأحوال فيعطس ويتمطى ويغسل وجهه بلعابه ويلطخ وبر ولده بلعابه حتى يصير كأن الدهن يسري في جلده وقيل إذا بال الهر شم بوله ودفنـه قيل لأجل الفأر فإذا شمـه علم أن هناك هرا فلم يخرج وأما سنور الزباد فهو الفهد بالهند ويوجد الزباد تحت أبطيه وفخذيه ( سوس ) هو دود الحبوب والفاكهة
ومن الفوائد التي تكتب في الحبوب فلا تسوس أسماء الفقهاء السبعة الذين كانوا بالمدينة وقد نظمـها بعضهم فقال
( ألا كل من لا يتقدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه )
( فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه )
( حرف الشين ) ( شاد هوار ) حيوان يوجد بأرض الترك يقال أن له قرنا عليه اثنتان وسبعون شعبة مجوفة فإذا هبت الريح سمع لها تصويت عجيب يكاد يدهش وربما قيل إن فيه شعبة يورث سماعها البكاء والحزن وأخرى
تورث الفرح والضحك وأنـه أهدي إلى بعض الملوك شيء من شعهبا فرأى فيه ذلك ويقال إن من الحيوان شيئا يوجد بالغياض في قصبة أنفه إثنا عشر ثقبا إذا تنفس يسمع له صوت كصوت المزمار فتأتيه الحيوانات لتسمعه فتدهش فيغفل بعضها من الطرب فيثب عليه فيأخذه وياكله وهي تعلم ذلك منـه وتحترز فإذا لم يمسك منـها شيئا ضاق خلقه وصاح بها صيحة فتهرب وتتركه
( شاهين ) طير يكون كهيئة الصقر إلا أنـه عظيم الهامة واسع العينين ومزاجه أيبس من مزاج الصقر وحركته من العلو إلى أسفل أقوى ولذلك ينقض على الطير بشدة فربما يخطئه فيضرب نفسه بالأرض بشدة فيموت وقيل أول من صاد بـه قسطنطين وذلك أنـه قد جعل له الحكماء الشواهين تظله من الشمس إذا سار فاتفق في بعض الأيام أنـه ركب فدارت الشواهين عليه وسار قال فطار واحد منـها وانقض على صيد فأخذه فأعجب الملك ذلك وصار يتصيد بـه ( شحرور ) طير أسود فوق العصفور يصوت بأصوات مطربة
( حرف الصاد ) ( صرد ) حيان يسمى الصرصار على قدر الخنفساء له جناحان ويقال له الصوام لأنـه أول طير صام يوم عاشوراء ( صعو ) طير من صغار العصافير أحمر الرأس
( حرف الضاد ) ( ضأن ) نوع من الحيوانات ذوات الأربع وهو من الحيوانات المباركة تحمل الأنثى منـه بواحد واثنين وفيها البركة وغيرها تحمل بالسبعة والتسعة وليس فيها بركة وإذا رعت زرعا نبت عوضه وذلك لبركتها بخلاف ذوات الشعر ومن عجيب أمرها أنـها إذا رأت الذئب تخور وتخاف منـه ولا يخاف من سائر السباع قال بعض القصاص مما أكرم الله تعالى بـه الكبش أن خلقه مستور العورة من قبل ومن دبر ومما أهان بـه التيس أن خلقه مـهتوك الستر مكشوف العورة من قبل ومن
دبر ويقال الضأن من دواب الجنة وهي صفوة الله من البهائم ويقال في المدح هو كبش من الكباش وفي الذم هو تيس من التيوس وأهدى بعضهم إلى صديقه شاة هزيله فقال
( تقول لي الأخوان حين طبختها ... أتطبخ شطرنجا عظاما بلا لحم ) ومن العجب أنـه يأتي غنم من الهند للكبش منـها ألية في صدره وأليات في كتفيه وأليه على ذنبه وربما تكبر ألية الضأن حتى تمنعه من المشي ومن عجيب أمرها أنـها إذا تسافدت وقت المطر لا تحمل وعند هبوب الريح إن كانت شمالية حملت ذكرا وجنوبية حملت أنثى والله أعلم
ومن خواصها أن لحمـها ينفع للسوادء ويزيد في المني والباه وإذا تحملت المرأة بصوفها قطع حبلها وإذا غطي إناء العسل بصوف الضأن الأبيض منع وصول النمل إليه وإذا دفن قرن كبش تحت شجرة كثر حملها على ما ذكر والله أعلم
( ضب ) حيوان يجعل جحره في الأرض الصلدة وعنده بلم فربما لا يهتدي لجحره إا خرج منـه فلذلك لا يحفره إلا بقرب كودية أو اشارة وهو من الحيوان الذي يعمر قيل إنـه يعيش سبعمائه سنة ومن طبعه أنـه يصير على الماء يقال إنـه لا يشرب فإنـه يبول في كل أربعين يوما قطرة والأنثى تبيض سبعين بيضة وأكثر وتجعلها في الأرض وتتعاهدها في كل يوم إلى أربعين يوما فيخرج وبيضها قدر بيض ال وهذا الحيوان شديد الخوف من الآدمي وللك يجعل العقارب في جحره حتى يمتنع بها ويخرج من جحره كليل البصر فيستقبل الشمس فيحصل له بذلك حدة في بصره وإذا عطش نشق النسيم فيروى وبينـه وبين الافاعي مناسبة وذلك أنـه لا يخرج زمن الشتاء
فائدة قيل أن أعرابيا أتى النبي وفي كمـه ضب قد صاده وقال لولا أن تسميني العرب عجولا لقتلتك وسررت الناس بقتلك فقال عمر دعني يا رسول الله أقتله فقال عليه الصلاة و السلام مـهلا يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ؟ قال ثم أقبل الأعرابي
على النبي وقال والله لا آمنت بك إلا أن يؤمن بك هذا الضب وأخرجه من كمـه قال فعند ذلك قال النبي ياضب فأجابه بلسان فصيح لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين فقال من تعبد ؟ قال الذي في السماء عرشـه وفي الأرض سلطانـه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه فقال من أنا يا ضب ؟ قال رسول رب العالمين قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك قال فقال الاعرابي عند ذلك يا ويلاه ضب اصطدته بيدي من البرية يشـهد لك بالرسالة أنا أولى منـه بذلك هات يدك أشـهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا ولقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد أكثر بغضا مني إليك ولقد صرت الآن أذهب من عندك وما على وجه الأرض أحدا أكثر محبة مني إليك ولأنت الساعة أحب إلي من أهلي وولدي وما تملك يدي فقد آمن بك شعري وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي فقال النبي الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى عليه ولكن لا يقبله الله إلا بصلاة ولا يقبل الصلاة إلا بقراءة قال فعلمني يا حبيبي قال فعلمـه سورة الفاتحة وسورة الأخلاص وقال من قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن قال لهذا يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ثم سأله ألك مال ؟ فقال يا حبيبي ليس في بني سليم أفقر مني فقال لأصحابه أعطوه فأعطوه حتى أثقلوه فقال عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله عندي ناقة عشارية أعطيها له فقال إن الله يعطيك ناقة في الجنة من درة قوائمـها من الزبر جد الأخضر وعيناها من الياقوت الأحمر وعليها هودج نم السندس تخطفك من الصراط كالبرق قال فخرج الإعرابي من عنده فتلقاه ألف فارس من المشركين كلهم يريدون قتل النبي فأخبرهم بقصته فأسلموا عن آخرهم وأمر النبي خالد بن الوليد عليهم وهذه القصة ذكرها الدار قطني بتمامـها والبيهقي والحاكم وابن عدي
الخواص قلبه يذهب الحزن والخفقان وشحمـه يطلى بـه الذكر يزيد في الباه وكعبه يشد على وجع الضرس يبرأ وإذا جعل على وجه فرس لا يسبقه شيء وبعره يذهب البرص والكلف طلاء ومن أكل
لحمـه لا يعطش زمانا طويلا
( ضبع ) حيوان معروف ومن كناه أم عامر ومن طبعه حب لحم الآدمي حتى قيل إنـه ينبش القبور وإذا مر بانسان نائم حفر تحت رأسه ووثب عليه وبقر بطنـه وشرب دمـه
الخواص من شرب دمـه ذهب وسواسه ومن علق عليه عينـه أحبه الناس وإذا جعلها في خل سبعة أيام ثم جعلها تحت فص خاتم فكل من كان بـه سحر وجعل الخاتم في قليل ماء وشربه زال سحره
( ضفدع ) حيوان يتولد من المياه الضعيفة الجري ومن العفونات وعقيب الأمطار وأول ما يظهر مثل الحب الأسود ثم ينمو ثم تتشكل له الأعضاء وإذا نق جعل فكه الأسفل في الماء والأعلى من خارج وفي صوته حدة قال سفيان ليس من الحيوان أكثر ذكرا لله تعالى من الضفدع وفي الآثار أن داود عليه الصلاة و السلام قال لأسبحن الله تعالى بتسبيح ما سبحه أحد قبلي فنادته ضفدعة يا داود تمن على الله تعالى بتسبيحك وأنا لي تسعون سنة ما جف لساني عن ذكر الله تعالى قال فما تقولين في تسبيحك ؟ قالت أقول سبحان من هو مسبح بكل لسان سبحان من هو مذكور بكل مكان فقال داود ما عسى أن أقول وقال بعضهم إنـها كانت تأخذ الماء بفيها وتجعله على نار إبراهيم الخليل والله سبحانـه وتعالى أعلم
( حرف الطاء ) ( طاوس ) طير مليح ذو ألوان عجيبة وعنده الزهو في نفسه والعجب ومن طبعه العفة وهو من الطير كالفرس من الحيوان والأنثى تبيض حين يمضى لها من العمر ثلاث سنين وفي ذلك الأوان يكمل ريش الذكر ويتم لونـه وتبيض الأنثى مرة واحدة في كل شـهر ففي السنة اثنتا عشرة بيضة أو أقل أو أكثر ويسفد الذكر في أيام الربيع ويرمي ريشـه في أيام الخريف كالشجر فاذا بدأ طلوع الورق طلع ريشـه ومدة حضنـه ثلاثون يوما
فائدة قيل إن آدم لما غرس الكرمة جاء إبليس لعنـه الله فذبح عليها طاوسا فشربت دمـه فلما طلعت أوراقها ذبح عليها قردا
فشربت دمـه فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسدا فشربت دمـه فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيرا فشربت دمـه فمن أجل ذلك تجد شارب الخمر أول ما يشربها وتدب فيه يزهو بنفسه ويميس عجبا كالطاولس فإذا جاء مبادئ السكر لعب وصفق بيديه كالقرد فإذا قوي سكره قام وعربد كهيئة الأسد فإذا انتهى سكره انقبض كما ينقبض الخنزير ثم يطلب النوم والناس تتشاءم باقامته بالدور قيل لأنـه كان سببا ل إبليس الجنة وخروج آدم منـها والله على كل شيء قدير
( حرف الظاء ) ( ظبي ) واحد الغزلان وهو ثلاثة أصناف الأول الآرام وهو ظباء الرمل ولونـها رمادي وهي سمينة العنق والثاني العفر ولونـها أحمر وهي قصيرة العنق والثالث الآدم وهي طويلة العنق وتوصف بحدة البصر وقيل إن الظبي يقضم الحنظل ويمضغه مضغا وماؤه يسيل من شدقيه ويرد الماء الملح فيشرب الماء الأجاج ويغمس خرطومـه فيه كما تغمس الشاة لحييها في العذب فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر ويستحلي مرارة الحنظل
الخواص لسانـه يجفف ويطعم للمرأة السليطة تزول سلاطتها وبعره وجلده يحرقان ويسحقان ويجعلان في طعام الصبي يزيد ذكاؤه ويصير فصيحا ذلقا حافظا ( ظربان ) دويبة فوق جرو الكلب منتنة الريح تزعم العرب أن من صادها وفست في ثوبه لا تزول الرائحة منـه حتى يبلى الثوب ويحكى من شؤمـها أنـها تأتي بيت الظبي فتفسو فيه ثلاث مرات فتقتل ما فيه وتأكله بعد ذلك
( حرف العين ) ( عجل ) حيوان معروف وهو ذكر البقر وسمي بذلك لاستعجال بني اسرائيل بعبادته والسبب في ذلك أن موسى عليه الصلاة و السلام وقت الله له ثلاثين ليلة ثم أنمـها بعشر وكان فيهم شخص يسمى موسى بن ظفر
السامري في قلبه من حب عبادة البقر شيء فابتلى الله بـه بني اسرائيل فقال ائتوني بحلى قال فأتوه بجميع حليهم فصنع منـه عجلا جسدا وألقى عليه قبضة من التراب أخذه من أثر فرس جبريل عليه السلام فصار له خوار كما أخبر الله تعالى فعكفوا على عبادته من دون الله تعالى وكانوا يأتون إليه ويون حوله ويتواجدون فيخرج منـه تصويت كهيئة الكلام فيتعجبون من ذلك ويظنون أنـه تكلم وإنما فعل ذلك باغواء ابليس لعنة الله حتى يطغيهم
( فائدة ) نقل القرطبي عن سيدي أبو بكر الطرطوشي رحمـهما الله أنـه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرؤن من القرآن ثم ينشد لهم الشعر فيون ويطربون ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام فقال مذهب الصوفية أن هذه بطالة وجهالة وضلالة وما الاسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله وأما ال والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذوا العجل فهذه الحالة هي حالة عباد العجل وإنما كان النبي مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رؤسهم الطير مع الوقار والسكنية فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الإسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينـهم على باطلهم هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمـهم الله تعالى ( عقرب ) هو من الحشرات قال الجاحظ أنـها تلد من فيها مرتين وتحمل أولادها على ظهرها وهم كهيئة القمل كثير العدد وقال غيره إذا حملت تسلط عليها أولادها فاكلوا بطنـها وخرجوا كهيئة الذر ثم يكثرون ويطوفون بالأرض ولها ثمانية أرجل ومن عجيب أمرها أنـها لا تضرب النائم إلا إذا تحرك شيء منـه والخنافس تأوي إلهيا وربما لسعت التنين العظيم فقتلته ( غريبة ) قال ذو النون المصري بينما أنا في بعض سياحتي إذ مررت بشاطء البحر فرأيت عقربا أسود قد أقبل إلى أن جاء إلى شاطئ البحر فظننت أنـه يشرب فقمت لأنظر فإذا بضفدع قد خرج من الماء وأتاه
فحمله على ظهره وذهب بـه إلى ذلك الجانب قال ذو النون فاتززت بمئزري وعمت خلفه حتى إذا صعد من ذلك الجنانب صعدت وسرت وراءه فما زال حتى جاء إلى شجرة فوجدت تحتها غلاما نائما من شدة السكر قد أقبل عليه تنين عظيم قال فلصقت العقرب برأس التنين ولسعته فقتلته ثم رجعت إلى ظهر الضفدع فعبر بها إلى الماء وسار بها إلى المكان الذي جاءت منـه قال ذو النون فتعجبت من ذلك وأنشدت
( يا راقدا والجليل يحفظه ... من كل سوء يكون في الظلم )
( كيف تنام العيون عن ملك ... يأتيك منـه فوائد النعم ) ثم أيقظت الغلام وأخبرته بذلك قال فلما سمع ذلك قال أشـهدك على أني قد تبت عن هذه الخصلة ثم جرينا ذلك التنين ورميناه في البحر ولبس ذلك الغلام مسحا وساح إلى أن مات رحمـه الله تعالى عليه وما أحسن ما قال بعضهم
( إذا لم يسالمك الزمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب )
( ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب )
( فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد ... وخرب فأر قبل ذا سد مأرب )
( إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من التضييع في غير واجب )
( فبين اختلاف الليل والصبح معرك ... يكر علينا جيشـه بالعجائب )
فائدة إذا لدغ أحد فاقرأ عليه هذه الكلمات وهي سلام على نوح في العالمين وصلى الله على سيدنا محمد في المرسلين أعيذك من حاملات السم أجمعين لا دابة بين السماء والأرض إلا ربي آخذ بناصيتها كذلك يجزي عباده المحسنين إن ربي على صراط مستقيم نوح قال لكمن من ذكرني لا تلدغوه إن ربي بكل شيء عليم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وقال بعض العلماء من قال عقدت زبان العقرب ولسان الحية
ويد السارق يقول أشـهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أمن من العقرب والحية والسارق وفي البخاري أن رجلا جاء إلى النبي وقال يا رسول الله ماذا لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال له النبي أما إنك لو قلت إذا امسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك وروى الترمذي أن من قال حين يمسي أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات ثم قال سلام على نوح في العالمين لم تضره الحية والعقرب والسر في ذكر نوح دون غيره هو أنـه لما ركب في السفينة سألته الحية والعقرب أن يحملهما معه فشرط عليهما أنـهما لا يضران من ذكر اسمـه بعد ذلك فشرطا له ذلك
الخواص من بخر البيت بزرنيخ أحمر وشحم بقر هربت منـه العقارب ومن شرب مثقالين من حب الاترج أبرأه من سمـها ومن علق عليه شيء من ورق الزيتون برئ أيضا لوقته
( عقعق ) طير ذو لونين طويل الذنب قدر الة على شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الة وهو لا يأوي إلا الأماكن العالية وإذا باض جعل حول بيضه ورق الدلب خوفا عليه من الخفاش لا يفسده الخواص ذمـه إذا جعل على قطن وألصق على موضع النصل والشوكة الغائبة في البدن أخرجه ( علق ) دود أحمر وأسود يكون بالماء بعلق بالخيل والآدمي فإذا علقت بك فرش عليها ماء وملحا وإذا علقت بفرس فبخره بوبر الثعلب فانـها تنفصل من رائحة دخانـه ومن خواصة ان البيت إذا بخر بـه هرب ما فيه من البق والبعوض وإذا جفف وسحق وقلع الشعر وطلي بـه مكانـه منع نباته
( عنقاء ) اختلف فيها فقال بعضهم هو طائر عظيم الخلقة له وجه
انسان وفيه من كل حيوان لون وقال بعضهم هو طير غريب الشكل يبيض بيضا كالجبال ويبعد في طيرانـه وسميت بذلك لأنـه كان في عنقها طوق أبيض قال القزويني إنـها تخطف الفيلة لعظمـها وكبر جثتها كما تخطف الحدأة الفأر قال وكانت في قديم الزمان بين الناس إلى أن خطفت عروسا بحليها فذهب أهلها إلى نبي دلك الزمان فشكوها إليه فدعا عليها فذهب بها إلي بعض الجزائر التي خلف خط الاستواء وهي جزيرة لا يصل إليها أحد وجعل لها فيها ما تقتات بـه من السباع كالفيل والكركند و غير ذلك وقال أصحاب التواريخ إن هذا الطير يعمر حتى قيل إنـه يعيش ألفي سنة ويتزوج إذا مضى عليه خمسمائة
وحكى الزمخشري في ربيع الأبرار أن الله تعالى خلق في زمن موسى عليه الصلاة و السلام طيرا يقال له العنقاء له وجه كوجه الانسان وأربعة أجنحة من كل جانب وخلق له أنثى مثله ثم أوحى الله تعالى إلى موسى إني خلقت خلقا كهيئة الطير وجعلت رزقه الوحوش والطير التي حول بيت المقدس قال فا وكثر نسلهما فلما توفي موسى عليه الصلاة و السلام انتقلت إلى نجد والعرق فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن تنبأ خالد بن سنان العبسي فشكوها له فدعا عليها فانقطعت وانقطع نسلها وانقرضت
( عنكبوت ) دويبة لها ثمانية أرجل وستة عيون وهي من الحيوان الذي صيده الذباب وولده يخرج قويا على النسج من غير تعليم ولا تلقين ويخرج أولاده دردا صغيرا ثم يتغير وتصير عنكبوتا وتكمل صورته
فائدة قيل إن امرأة ولدت جارية ثم قالت لخادم لها إقتبس لنا نارا فخرج فوجد بالباب سائلا فقال له ما ولدت سيدتك ؟ فقال بنتا فقال لا تموت حتى تبغي بألف رجل ويتزوجها خادما ويكون موتها بالعنكبوت فقال الخادم وأنا أصبر لهذه حتى يحصل منـها ما يحصل فصبرت حتى قامت أمـها لتقضي بعض شؤونـها وعمد إلى البنت فشق بطنـها بسكين وهرب قال فجاءت أمـها فوجدتها على تلك الحالة فدعت بمن يعالجها حتى شفيت فلما كبرت بغت قال
ثم إنـها سافرت وأتت مدينة على ساحل من سواحل البحر فأقامت هناك تبغي قال وأما الرجل فإنـه صار من التجار وقدم لتلك المدينة ومعه مال كثير فقال لامرأة عجوز هناك أخطبي لي امرأة حسنة أتزوج بها قال فوصفتها له وقالت ليس هنا أحسن منـها ولكنـها تبغي فقال العجوز ائتني بها قال فذهبت وأخبرتها بالقصة فقالت لها حبا وكرامة فإني قد تبت عن البغي فتزوج الرجل بها وأحبها حبا شديدا وأقام معها أياما وكان يود أن يراها متجردة فلم يمكنـه ذلك حتى إذا كان في بعض الأيام خرج على عادته لقضاء أشغاله ودخلت هي ال وعرضت له حاجة فرجع إلى الدار وصعد إلى قصرها فلم يرها فسأل عنـها فقيل له هي في ال فدخل عليها فرآها متجردة ورأى في بطنـها أثرا كالخياطة فقال ما هذا ؟ قالت لا أعلم إلا أن أمي أخبرتني أنـه كان لنا خادما وأنـه يوم ولادتي غافل أمي وشق بطني بسكين وهرب وأنـها حين رأتني كذلك دعت بعض الأطباء فخاط بطني وعالجني حتى أندمل جرحي وشفيت وبقي هذا الأثر فقال لها أنا ذلك الخادم وحكى لها السبب وأن ذلك السائل أخبره أنـها تموت بالعنكبوت ثم إنـه اهتم بأمرها وجمع مـهندسي البلدة التي هم فيها وسألهم أن يبنوا له بناء لا ينسج عليه العنكبوت فقالوا كل بناء ينسج عليه إلا أن يكون البلور لنعومته لا ينسج عليه فأمرهم أن يصنعوا لها قصرا من البلور وبذل لهم ما أرادوا فعملوه وفرشـه وأمرها أن تقيم فيه لا تخرج منـه خوفا عليها من العنكبوت قال فبينما هو ذات يوم إذ رأى عنكبوتا قد نسج في ذلك القصر فقام إليه فرماه وقال لها هذا الذي يكون موتك منـه قال فداسته بإبهامـها وقالت كالمستهزئة أهذا الذي يقتلني فشدخته فتعلق بطرف إبهامـها من مائة شيء فعمل بها حتى ورمت ساقها ثم وصل الورم إلى قلبها فقتلها فما أفاده قصره ولا صرحه سيئا قال الله تعالى ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) الآية
فائدة نسج العنكبوت على ثلاثة مواضع على غار النبي وعلى غار عبد الله بن أنيس لما بعثه النبي لخالد الهذلي فقتله وحمل رأسه ودخل بـه في غار خوفا من أهله ونسج على عورة زيد ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنـهم لما صلب عريانا وقيل إنـها نسجت مرتين على داود حين كان جالوت يطلبه
الخواص نسجها إن وضع على الجراح الطرية يقطع دمـها ويجلو الفضة إذا دلكت بـه والذي يوجد من نسجها في بيت الخلاء ينفع المحموم إذا تبخر به
( ابن عرس ) حيوان معروف وهو بأرض مصر كثير ويسمى العرسة وهو عدو للفأر وعنده الحيل قيل إنـه عدا خلف فأر فصعد منـه على شجرة فصعد خلفه وأمر إنثاه أن تقف تحت الشجرة ثم قطع الغصن الذي كان عليه الفأر فسقط فأخذته أنثاه ومما يحكى عنـه أنـه يحب الذهب فيسرقه ويلد عليه عجيبة قيل إن رجلا صاد فرخا من أولاده وحبسه تحت طاسة فجاء أبوه فوجده فذهب وأتى بدينار فوضعه فلم يفلته ثم ذهب وأتى بآخر وما زال كذلك حتى أتى بخمسة دنانير فلم يفلته ثم أتى بخرقة فلم يفلته فأراد ابن عرس أن يأخذ ما برطله بـه فلما علم الرجل ذلك فهم أنـه لم يبق عنده شيء فأفلته له
( حرف الغين ) ( غراب ) وكنيته أبو حاتم وله كنى غير ذلك وهو أنواع كثيرة منـها الأكحل وغراب الزرع والأزرق وهذا النوع يحكي جميع ما سمعه والعرب تتفاءل بصياح الغراب فتقول إذا صاح مرتين فشر وإذا صاح ثلاثة فخير وهو كالإنسان عند الجماع وفي طبعه الاستتار عن الناس عند مجامعته والأنثى تبيض ثلاثا أو أربعا أو خمسا وتحضن ذلك والأب يسعي في طعمتها إلى أن تفرخ فإذا فرخت خرجت أفراخها قبيحة المنظر فتتفرق منـها وتتركها وتغيب فيرسل الله لها البعوض
به ثم لا تزال تتعاهدها حتى ينبت لها الريش فتأتيها ومنـه قول الحريري
( يا رازق النعاب في عشـه ... وجابر العظم الكسير المـهيض ) ومن طبعه أنـه لا يتعاطى الصيد بل إن وجد رمة أكل منـها ويقم من الأرض ما وجد ويسمى بالفاسق لأنـه لما أرسله نوح عليه السلام ليكشف عن الماء فوجد في طريقه رمة فسقط عليها وترك ما أرسل إليه ويسمى بالبين لأنـه إذا رحل العرب من مكان نزل فيه وزعق في أثرهم ومن الغرائب أن بين الغراب وبين الذئب إلفة وذلك إنـه إذا رأى الذئب بقر بطن شاة سقط وأكل منـها ومعه الذئب لا يضره
الخواص إذا غمس الغراب في الخل ثم جفف وسحق ريشا وطلي بـه الشعر سوده وإذا علق منقاره على إنسان زالت عنـه العين وزبل الغراب الأبقع ينفع الخوانيق والخنازير طلاء وإن صر في خرقة على من بـه السعال زال
( غرغر ) دجاج بني إسرائي يقال إن فرقة من بني إسرائيل كانت بتهامة فطغت وبغت وتجبرت وكفرت فعاقبهم الله تعالى بأن جعل رجالهم القردة وكلابهم الأسود وعينـهم الأراك وجوزهم المقل ودجاجهم الغرغر وهو دجاج الحبشة فلا ينفع لحمـه لرائحته الكريهة وهذا مشاهد في زماننا هذا الآن على ما نقل والله سبحانـه وتعالى أعلم
( حرف الفاء ) ( فاختة ) طير أغبر من ذوات الأطواق بقدر ال لها حسن الصوت يحكى أن الحيات تهرب من صوتها وفي طبعها الأنس فمن أجل ذلك
تتخذ بيتها في البيوت وهي من الحيوان الذي يعمر وقد ظهر منـها ما عاش خمسا وعشرين سنة
الخواص دمـها ينفع من الآثار في العين من ضربة أو قرحة إذا قطر فيها
( فأرة ) وكنيتها أم خراب وغير ذلك وتسمى بالفويسقة وذلك أن النبي انتبه ليلة فوجدها قد جذبت الفتيلة وأحرقت طرف سجادته فقتلها وأمر بقتلها وهي التي قطعت حبل سفينة نوح وأذاها لا يكاد ينحصر ومنـه أنـها تأتي إلى إناء الزيت فتشرب منـه فإذا نقص صارت تشرب بذنبها فإذا لم تصل إليه ذهبت وأتت في فيها بماء وأفرغته فيه حتى يعلو لها الزيت فتشربه وربما وضعت فيه حجرا فكسرته ويقال إنـها بقايا الممسوخين الذين كانوا يهودا ومن أراد أن يعلم ذلك فليضع لها لبن ناقة في إناء فإن لم تشربه فهي منـهم
الخواص عينـه تشد على الماشي يسهل تعبه وإذا بخر البيت بزبل الذئب أو الكلب ذهب منـه الفأر ( فرس البحر ) حيوان غليظ أفطس الوجه ناصيته كالفرس ورجلاه كالبقر وذنبه قصير يشبه ذنب الخنزير وجلده يوجد بالنيل ووجهه أوسع من وجه الفرس يصعد البر ويرعى الزرع وربما قتل الانسان وغيره
( فهد ) حيوان شرس الأخلاق قال أرسطو هو متولد من الأسد والنمر في طبعه مشابهة بطيع الكلب ونومـه ثقيل وفي طبعه الحنو على أنثاه وقيل أول من صاد بـه كليب بن وائل وأول من حمله على الخيل يزيد بن معاوية وأكثر من اشتهر باللعب بـه أبو مسلم الخراساني
( فيل ) حيوان يوجد بأرض الهند وكنيته أبو الحجاج والأنثى أم سبل وهو ينزو على أثاه إذا بلغ من العمر خمس سنين وتحمل أنثاه سنتين ثم تضع ولا يقربها الذكر في مدة حملها ولا بعده بثلاث سنين ولا يلقح إلاببلاده وإذا أردات الوضع دخلت النـهر لأن رجليها لا ينثنيان فتخاف عليه والذكر يحرسها خوفا على ولده من الحيات فإنـها تأكله وهو عند شدة غلمته كالجمل ويهيج في زمن الربيع وزعم أهل الهند أن لسانـه مقلوب ولولا ذلك لكان يتكلم لشدة ذكائه وقيل إن ثدييه في صدره كالإنسان وهو أضخم الحيوان
وأعظمـه جرما وما ظنك بخلق ربما كان نابه أكثر من ثلاثمائة سن وهو مع ذلك أملح وأظرف من كل نحيف الجسم رشيق وربما مر الفيل مع عظم بدنـه خلف القاعدة فلا يشعر برجله ولا يحس بمروره لخفة همسه واحتمال بعض جسده لبعض وأهل الهند يزعمون أن أنياب الفيل وقرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقان وخرطوم أنفه ويده وبه يتناول الطعام إلى جوفه وبه يقاتل وبه يصيح وصياحه ليس في مقدار جرمـه وقيل أن الفيل جيد السباحة وإذا سبح رفع خرطومـه كما يغيب الجاموس جميع بدنـه إلا منخريه ويقوم خرطومـه مقام عنقه والخرق الذي في خرطومـه لا ينفذ وإنما هو وعاء إذا ملأه من طعام أو ماء أولجه في فيه لأنـه قصير العنق لا ينال ماء ولا مرعى وأهل الهند تجعله في القتال وهو أيضا يقاتل مع فمن غلب دخلوا تحت أمره وقيل جعل الله في طبع الفيل الهرب من السنور
حكي عن هارون مولى الأزد أنـه خبأ معه هرا ومضى بسيف إلى الفيل فلما دنا منـه رمى بالهر في جهه فأدبر هاربا وكبر المسلمون وظنوا أنـه هرب منـه قال أبو الشمقمق
( يا قوم إني رأيت الفيل بعدكم ... تبارك الله لي في رؤية الفيل )
( رأيت بيتا له شيء يحركه ... فكدت أفعل شيئا في السراويل ) وقيل إذا اغتم الفيل لم يكن لسواسه هم إلا الهرب بأنفسهم ويتركونـه ومن عجيب أمره أن سوطه الذي بـه يحث ويضرب محجن حديد أحد طرفيه في جبهته والآخر في يد راكبه فإذا أراد شيئا غمزه بـه في لحمـه وأول شيء يؤدبون بـه الفيل يعلمونـه السجود للملك
قيل خرج كسرى أبرويز لبعض الأعياد وقد صفوا له ألف فيل وأحدق بـه ثلاثون ألف فارس فلما رأته الفيلة سجدت له فما رفعت رؤوسها حتى جذبت بالمحاجن وراضتها الفيالون وتزعم أهل الهند أن
جبهة الفيل تعرق كل عام عرقا غليظا سائلا أطيب من رائحة المسك ولا يعرض ذلك العرق إلا في بلادها الخاصة وإن عظام الفيل كلها عاج إلا أن جوهر نابه أكرم وأثمن ولولا شرف العاج وقدره لما فخر الأحنف ابن قيس على أهل الكوفة في قوله نحن أكثر منكم عاجا وساجا وديباجا وخراجا وقيل أن الفيلة لا تتسافد في غير بلادها
فائدة من قرأ سورة الفيل ألف مرة في كل يوم عشرة أيام متوالية ثم جلس على ماء جار وقال اللهم أنت الحاضر المحيط بمكنونات الضمائر اللهم عز الظالم وقل الناصر وأنت المطلع العالم اللهم إن فلانا ظلمني وأساءني ولا يشـهد بذلك غيرك انت مالكه فأهلكه اله سربله سربال الهوان وقمصه قميص الردى اللهم اقصفه ست مرات اللهم اخفضه مرتين فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق فإن الله يستجيب له ما لم يكن ظالما
الخواص جلده إذا بخر بـه بيت هرب بقه وإذا سقي إنسان من وسخ أذنـه نام نومة طويلة وإذا علق من نابه شيء على شجرة لم تثمر وإذا عمل من جلده ترس يكون أصلب من كل ترس
( حرف القاف ) ( قاقم ) دويبة تشبه السنجاب إلا أنـه أبرد منـه مزاجا وهو أبيض يقق وجلده أعز قيمة من السنجاب
( قاوند ) طير يكون بساحل البحر يبيض في الرمل ويحضن بيضه سبعة أيام ثم تخرج افراخه بعد ذلك فيزقها بعد سبعة أيام ويقال ما يمسك الله البحر في هيجانـه عن أن يفيض على الساحل إلا إكراما له لأنـه يقال أنـه يبر والديه
خواصه أنـه يقيم ال ويحلل البلاغم المزمنة وينفع الأمراض الباردة وأوجاع الأعصاب
( قرد ) حيوان معروف وكنيته ابو خالد وغير ذلك وهو قبيح المنظر ملح الذكاء سريع الفهم يتعلم الصنائع قيل إنـه أهدي للمتوكل قرد خياط وآخر صائغ
وأهل اليمن يعلمون القرد البيع والجلوس في الدكاكين حتى قيل إنـه يخرز النعل ويصر القرطاس وهو ذو غيرة وعنده لواط حتى قيل إنـه يعدو خلف المليح من شدة المحبة والتفت ابن الرومي يوما إلى أبي الحسن الأخفش وهو يحاكي القرد فقال
( هنيئا يا أبا الحسن المفدى ... بلغت من الفضائل كل غاية )
( شركت القرد في قبح وسخف ... وما قصرت عنـه في الحكاية )
( قنفذ ) بالذال المعجمة وكنيته أبو سفيان ومن عجيب أمره أنـه يصعد الكرم فيرمي العنقود ثم ينزل فيأكل منـه ما أطاق فإن كان له أفراخ تمرغ في الباقي فيتعلق بشوكه فيذهب بـه إلى أولاده وهو مولع بأكل الأفاعي فإذا لدغته لا يؤثر فيه سمـها لدفع ذلك بشوكه وإذا تأذى منـها ذهب فأكل السعتر البري فيزول أذاها وهو الحيوان الذي يسفد مباطنة كالرجل وله خمسة أرجل
( حرف الكاف ) ( كركند ) حيوان يوجد ببلاد الهند والنوبة وهو دون الجاموس وله قرن واحد عظيم لا يستطيع رفع رأسه منـه لثقله وهو مصمت قوي يقاتل بـه الفيل فيغلبه ولا تعمل ناباه شيئا معه وعرض قرنـه شبران وليس بطويل جدا وهو محدد الرأس شديد الملامسة وإذا نشر قرنـه ظهرت في معاطفه صور عجيبة كالطواويس والغزلان وأنواع الطير والشجر وبني آدم ولذلك يتخذ منـه صفائح الأسرة والناطق للملوك ويتغالون في ثمنـها بحيث تبلغ المنطقة اربعة آلاف أو اكثر والأنثى تحمل ثلاث سنين ويخرج ولدها نابت الأسنان والقرون قوي الحافر ويقال إنـها إذا قاربت الوضع أخرج الولد رأسه من بطنـها وصار يرعى أطراف الشجر فإذا شبع أدخل رأسه في بطن أمـه ويزعم أهل الهند أنـه إذا كان ببلاد لم يدع فيها من الحيوان شيئا حتى يكون بينـها وبينـه مائة فرسخ من جميع الجهات هيبة له وهربا منـه ويسمى الحمار الهندي وهو شديد العداوة للإنسان يتبعه إذا سمع صوته فيقتله ولا يأكل منـه شيئا
( كروان ) طير معروف لا ينام غالب الليل خصوصا في القمر وعنده ذكاء قيل إنـه يتكلم بجميع ما يبصره ولا يحتمل المغابنة
( كركي ) طير محبوب للملوك وله مشتى ومصيف فمشتاه بأرض مصر ومصيفه بأرض العراق وهو من الحيوان الرئيس قيل إذا نزل بمكان اجتمع حلقه ونام وقام عليه واحد يحرسه وهو يصوت تصويتا لطيفا حتى يفهم أنـه يقظان فإذا تمت نوبته أيقظ غيره لنوبته قال القزويني وإذا مشى وطئ الأرض بأحدى رجليه وبالأخرى قليلا خوفا من أن يحس بـه وإذا طار سار سطرا يقدمـه واحد كهيئة الدليل ثم تتبعه البقية
( كلب ) معروف وهو نوعان أهلي وسلوقي وهذان النوعان سواء إلا أن أنثى السلوقي أسرع في التعلم من ذكره وهذا الحيوان حليم وعنده رياضة وفي طبعه إكرام الأجلاء من الناس
وحكي أن رجلا عزم جماعة فتخلف شخص منـهم في منزله ودخل على زوجة صاحب المنزل فضاجعها فوثب الكلب عليهما فقتلهما فرجع صاحب المنزل فوجدهما قتيلين فأنشد يقول
( وما زال ذمتي ويحوطني ... ويحفظ عهدي والخليل يخون )
( فواعجبا للخل يهتك حرمتي ... وواعجبا للكلب كيف يصون ) وحكى أبو عبيدة قال خرج رجل إلى الجبانة ومعه أخوه وجاره لينظروا إلى الناس فتبعه كلب له فضربه ورماه بحجر فلم ينته ولم يرجع فلما قعد ربض الكلب بين يديه فجاء عدو له في طلبه فلما رآه خاف على نفسه فإذا بئر هناك قريبة القعر فنزل فيها وأمر أخاه وجاره أن يهيلا عليه التراب ثم ذهب أخوه وجاره إلى سبيلهما وصار الكلب ينبح حوله فلما انصرف العدو أتاه الكلب فما زال يبحث في التراب إلى أن كشفه عن رأسه فتنفس الرجل ومر بـه أناس فتناولوه وردوه إلى أهله فلما تمات ذلك الكلب عمل له قبرا ودفنـه فيه وجعل عليه قبة وسمى ذلك قبر الكلب وفي ذلك قيل
( تفرق عنـه جاره وشقيقه ... وما حاد عنـه كلبه وهو ضاربه )
ومن ذلك ما حكي أن رجلا قتل ودفن وكان معه كلب فصار يأتي كل يوم إلى الموضع الذي دفن فيه وينبح وينبش ويتعلق برجل هناك فقال الناس إن لهذا الكلب شأنا فكشفوا عن ذلك وحفروا ذلك الموضع فوجدوا قتيلا فقبضوا على ذلك الرجل الذي ينبح عليه الكلب وضربون فأقر بقتله فقتل وهو من الحيوان الذي يعرف الحسنة وقيل أن الأنثى تحيض في كل شـهر سبعة أيام وأكثر ما تضع إثنا عشر جروا وذلك في النادر والغالب خمسة أو ستة وربما ولدت واحدا ويعيش الكلب في الغالب عشر سنين وربما بلغ عشرين سنة ووصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد فأرسل من جاء بـه إليه فجوع أسدا وأطلقه عليه فتهارشا وتواثبا حتى وقعا ميتين وقيل كلب الصياد يشبه بـه الفقير المجاور للغني لأنـه يرى من نعمته وبؤس نفسه ما يفتت كبده وقيل لرجل ما بال الكلب يرفع رجله إذ بال ؟ قال يخاف أن يلوث ذراعيه قيل أو للكلب ذراعان ؟ قال هو يتوهم ذلك
فائدة حكي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنـه سمع شخصا من وراء النـهر يروي أحاديث مثلثة فسار إليه ودخل عليه فوجده يطعم كلبا وهو مشتغل بـه قال الامام أحمد فأخذت في نفسي وأضمرت أن أرجع إذا لم يلتفت الرجل إلي ثم قال حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنـه أن رسول الله قال " من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامـه فلم يلج الجنة وإن أرضنا هذه ليست بأرض كلاب وقد قصدني هذا الكلب فخشيت أن أقطع رجاءه " قال فقال الإمام أحمد رحمـه الله هذا الحديث يكفيني ثم رجع قافلا إلى أهله فائدة اخرى قال الترمذي لما هبط الله تعالى آدم إلى الأرض سلط عليه إبليس السباع وكان أشدها الكلب قال فنزل عليه جبريل عليه السلام وأمره أن يضع يده عليه ففعل واطمأن إليه وألفه وصار يحرسه وبقيت الألفة فيه لأولاده إلى يوم القيامة وقيل أن أول من اتخذ الكلب بعد آدم نوح عليهما الصلاة والسلام وذلك لأن
قومـه كانوا يعمدون بالليل فيفسدون ما صنعه في السفينة بالنـهار فأمره الله أن يتخذ كلبا حارسا ففعل قال فكان الكلب إذا أتاه مفسد قام عليه فيتيقظ نوح عليه الصلاة و السلام فيدفعه
فائدة أخرى قيل كان كلب أهل الكهف أسمر واسمـه قطمير وقيل أصفر وقيل خلنجي اللون وليس في الحيوان ما يدخل الجنة إلا هو وكبش إسماعيل وناقة صالح وحمار العزيز وبراق النبي فائدة أخرى إذا نبح عليك كلب وخفت منـه فاقرأ ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وقل بعد ذلك لا إله إلا الله فإنك تكفاه
( حرف اللام ) ( لغلغ ) طير معروف قيل إنـه من طيور الفواخت ويأتي إلى أرض مصر في أيام الشتاء فيأكل ما قسم الله له من الرزق ويأكل منـه من له فيه رزق ثم يرحل إلى بلاده
( حرف الميم ) ( مالك الحزين ) طير يوجد بالضحضاح غذاؤه السمك وسمي بذلك لأنـه قيل أنـه لا يشرب حتى يروى خوفا من أن ينقص الماء وإذا نشف الضحضاح حزن لأنـه لا يستطيع العوم ونظيره دويبة بأرض فارس معروفة عندهم يقال إن غذاءها التراب فإذا أكلت لا تشبع خوفا من أن يفرغ
( حرف النون ) ( نمل ) قال عليه الصلاة و السلام إلا تنظرون إلى صغير من خلق الله كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد
تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على الأرض وسعت في مناكبها وطلبت رزقها تنقل الحبة إلى جحرها تجمع في حرمـها لبردها في وردها لصدرها لا يغفل عنـها المنان ولا يحرمـها الديان ولو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنـها وما في الرأس من عينـها وأذنـها لقضيت من خلقها عجبا وللقيت من وصفها تعبا فتعالى الذي اقامـها على قوائهما وبناها على دعائمـها لم يشركه في فطرتها فاطر ولم يعنـه على خلقها قادر لا إله إلا هو ولا معبود سواه وقيل إذا خافت على حبها أن يعفن أخرجته إلى ظهر الأرض ليجف وقيل إنـها تفلق الحبة نصفين خوفا من أن تنبت فتفسد إلا الكزبرة فإنـها تفلقها أربعا لأنـها من دون الحب ينبت نصفها وليس كل أرباب الفلاحة يعرف هذا فسبحان من ألهمـها ذلك وقيل إنـها تشم رائحة الشيء من بعيد ولو وضعته على أنفك لم تجد له رائحة وإذا عجزت عن حمل شيء استعانت برفقتها فيحملونـه جميعا إلى باب جحرها وقيل إذا انفتح باب قرية النمل فجعلت فيه زرنيخا أو كبريتا هجرتها والله أعلم ( نحل ) حيوان ليس له نظر في العواقب وله معرفة بفصول السنة وأوقاتها وأوقات المطر وفي طبعه الطاعة لأميره والانقياد له ومن شأنـه في تدبير معاشـه أنـه يبني له بيتا من الشمع شكلا مسدسا لا يوجد فيه اختلاف كالقطعة الواحدة إذا طار ارتفع في الهواء وحط على الأماكن النظيفة وأكل نوار الزهر والأشاء الحلوة وشرب من الماء الصافي وأتى فأخرج ذلك فأول ما يخرج الشمع ليكون كالوعاء ثم العسل وقيل إنـه يقسم الأعمال فبعضه يعمل البيوت وبعضه يعمل الشمع وبعضه يعمل العسل وفي طبعه النظافة فيجعل رجيعه خارج الخلية وما مات منـه أخرجه ورماه وعند الطرب فيحب الأصوات اللذيذة وله آفات تقطعه كالظلمة والغيم والريح والمطر والدخان والنار وكذلك المؤمن له آفات تقطعه منـها ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام ونار الهوى
فائدة قيل مرض شخص فقال أئتوني بماء وعسل فأتوه
بذلك فخلط الجميع وشربه فشفي وروي أن شخصا شكا النبي بطن أخيه فأمره بشرب العسل فشربه ثم جاء ثانيا فأمره بشربه ثم جاء في الثالثة فقال يا رسول الله إن بطنـه لم يزل فقال رسول الله إن بطنـه لم يزل فقال رسول الله " صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه الثالثة فشفي "
نادرة قيل إن بعضهم حضر مجلس المنصور فقال بعض الحاضرين المراد من قوله تعالى ( يخرج من بطونـها مختلف ألوانـه فيه شفاء للناس ) أهل البيت فإنـهم النحل وال القرآن فقال له بعض من حضره من اللطفاء جعل الله طعامك وك ما يخرج من بطون بني هاشم فضحك الحاضرون عليه وأبهته
الخواص إذا خلط العسل الخالص بمسك خالص واكتحل بـه نفع من نزول الماء في العين والتلطخ بـه يقتل القمل ولعقه علاج لعضة الكلب والمطبوخ منـه نافع للمسموم
( نسر ) هو سيد الطيور ويعمر طويلا قيل أنـه يعيش ألف سنة وله قوة على الطيران حتى قيل أنـه يقطع من المشرق إلى المغرب في يوم وجثته عظيمة حتى قيل أنـه يحمل أولاد الفيلة وله قوة حاسة الشم حتى قيل أنـه يشم رائح الجيفة من مسيرة أربعمائة فرسخ وإذا سقط على جيفة تباعدت عنـها الطيور هيبة له حتى يفرغ من الأكل وعنده شره قيل أنـه ياكل حتى يضعف عن الحركة بحيث أن أضعف الناس لو أراد إمساكه في تلك الحالة أمسكه وإذا باض ذهب وأتى بورق الدلب فجعله في عشـه خوفا من الخفاش أن يفسد بيضه وهو لا يحضن البيض وإنما يبيض في الأماكن العالية ويبقيه في الشمس فتكون حرارتها بمنزلة الحضن ومن طبعه أنـه لو شم الطيب مات وعنده الحزن على فراق إلفه حتى قيل إنـه ليموت كمدا ويقال للأنثى منـه أم قشعم وفي الحديث " أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد لكل شيء سيد فسيد البشر آدم وسيد ولد آدم أنت وسيد الروم صهيب وسيد فارس سلمان وسيد الحبش بلال وسيد
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8: اعلم ساوه ، اعلم ساوه
[اعلم ساوه]نویسنده و منبع | تاریخ انتشار: Sun, 18 Nov 2018 14:21:00 +0000